[ ص: 281 ] فصل : الثاني : اتفاق جميع الأولياء على استيفائه ، وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض ، فإن فعل فلا قصاص عليه وعليه لشركائه حقهم من الدية ، ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين ، وفي الآخر : لهم ذلك في تركة الجاني ويرجع ورثة الجاني على قاتله . وإن عفا بعضهم سقط القصاص ، وإن كان العافي زوجا ، أو زوجة . وللباقين حقهم من الدية على الجاني ، فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به فعليهم القود وإلا فلا قود عليهم وعليهم ديته . وسواء كان الجميع حاضرين ، أو بعضهم غائبا ، فإن كان بعضهم صغيرا ، أو مجنونا فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى يصيرا مكلفين في المشهور عنه ، وعنه : له ذلك ، وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام . ومن لا وارث له وليه الإمام إن شاء اقتص ، وإن شاء عفا .
فصل
( الثاني : اتفاق جميع الأولياء على استيفائه ) لأن الاستيفاء حق مشترك لا يمكن تنقيصه ، فلم يجز لأحد التصرف فيه بغير إذن شريكه ; لأنه لا ولاية عليه ، أشبه الدين ( وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض ) لأن اتفاق الكل شرط ، ولم يوجد ( فإن فعل ) من منعناه منه غير زوج ( فلا قصاص عليه ) لأنه قتل نفسا يستحق بعضها ، فلم يجب قتله بها ; لأن النفس لا تؤخذ ببعض نفس ، ولأنه مشارك في استحقاق القتل ، فلم يجب عليه قود كما لو كان مشاركا في ملك الجارية ووطئها ويفارق إذا قتل الجماعة واحدا ، فإنا لم نوجب القصاص بقتل بعض النفس ، وإنما يجعل كل واحد منهم قاتلا لجميعها ، ولو سلم فمن شرطه المشاركة ( وعليه لشركائه حقهم من الدية ) أي : للذي لم يقتل قسطه من الدية ; لأنه حقه من القود ، سقط بغير اختياره ، أشبه ما لو مات القاتل ، أو عفا بعض الأولياء ، وهل يجب ذلك على قاتل الجاني ، أو في تركة الجاني ؛ فيه وجهان ، وأشار إليهما بقوله ( ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين ) لأن المقتص قد وجب عليه فيجب على قاتل الجاني ; لأنه أتلف محل حقه ، فكان له الرجوع عليه بعوض نصيبه كما لو كانت له وديعة فأتلفها ( وفي الآخر لهم ذلك ) أي : حقهم من الدية ( في تركة الجاني ويرجع ورثة الجاني على قاتله ) قدمه في " المحرر " ، و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ، أي : يجب في تركة الجاني كما لو أتلفه أجنبي ، أو عفا شريكه عن القصاص ، أي : ويأخذ وارثه من [ ص: 282 ] المقتص الزائد عن حقه ; لأنه أتلف ذلك بغير حق ، وقولنا : أتلف محل حقه - يبطل بما إذا أتلف مستأجره ، أو غريمه ، ويفارق الوديعة ، فإنها مملوكة لهما فوجب عوض ملكه ، والجاني ليس بمملوك المجني عليه ، إنما عليه حق ، وهذا أقيس ، وقال الحلواني : والأول أولى ، فلو قتلت امرأة رجلا له ابنان فقتلها أحدهما ، فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة التي قتلته ويرجع ورثتها على قاتلها بنصف ديتها ، وعلى الأول يرجع الابن الذي لم يقتل على أخيه بنصف دية المرأة لأنه لم يفوت على أخيه إلا نصف دية المرأة ، ولا يمكن أن يرجع على ورثة المرأة بشيء ; لأن أخاه الذي قتلها أتلف جميع الحق ، قال في " الشرح " : وهذا يدل على ضعف هذا الوجه ، وفي " الواضح " احتمال : يسقط حقهم على رواية وجوب القود عينا ، وقال ابن حمدان : إن قلنا : يجب القود عينا - غرم الدية قاتل الجاني ، وإن قلنا : يجب أحد أمرين - أخذت من تركة الجاني ( وإن عفا بعضهم سقط القصاص ) لأن القتل عبارة عن زهوق الروح بآلة صالحة له وذلك لا يتبعض ( وإن كان العافي زوجا ، أو زوجة ) إشارة منه إلى أنهما من مستحقي الدم كبقية ذوي الفروض ، وهو قول أكثرهم ، وقال الحسن ، وقتادة : ليس للنساء عفو ، وعن أحمد : هو موروث للعصبات خاصة ، ذكرها ابن البنا ، واختاره الشيخ تقي الدين ; لأنه ثبت لدفع العار فاختص به العصبة كولاية النكاح ، وفيه وجه : أنه يختص بذوي الأنساب فقط ، وقال قوم : لا يسقط بعفو بعض الشركاء ; لأن حق غير العافي لم يرض بإسقاطه ، والأول هو المشهور لما روى أحمد ، ، وأبو داود ، ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده nindex.php?page=hadith&LINKID=10340620أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا ، ولا يرثوا منها [ ص: 283 ] إلا ما فضل عن ورثتها ، وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها . ولحديث عائشة ، وقول عمر رواه سعيد ، وأبو داود ، وعموم قوله - عليه السلام - nindex.php?page=hadith&LINKID=10340621فأهله بين خيرتين وهو عام في جميع أهله ، والمرأة منهم وكسائر حقوقه وإذا سقط بعضه سقط كله ; لأنه لا يتبعض كالطلاق ، والعتاق ، والمرأة مستحقة فسقط بإسقاطها كالرجل ، وزوال الزوجية لا يمنع استحقاق القود كما لم يمنع استحقاق الدية ، وكذا لو شهد أحدهم ولو مع فسقه بعفو بعضهم ( وللباقين حقهم من الدية على الجاني ) سواء عفا مطلقا ، أو إلى الدية ، لا نعلم فيه خلافا ; لأن حقه من القصاص سقط بغير رضاه فثبت له البدل كما لو ورث القاتل بعض دمه ، أو مات ، وفي " التبصرة " إن عفا أحدهم فللبقية الدية ، وهل يلزمهم حقهم من الدية ؛ فيه روايتان ( فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به فعليهم القود ) لأنه قتل عمد عدوان ، أشبه ما لو قتلوه ابتداء ، سواء حكم به حاكم ، أو لا ( وإلا فلا قود عليهم ) أي : إذا قتله غير عالم بالعفو ، أو غير عالم بأن العفو مسقط للقود لم يجب قود ; لأن لك شبهة قد درأت القود كالوكيل إذا قتله بعد العفو ، وقبل العلم ، ولا فرق بين أن يكون الحاكم قد حكم بالعفو أو لا ; لأن الشبهة موجودة مع انتفاء العلم ، معدومة عند وجوده ( وعليهم ديته ) في كل موضع لا قود فيه ; لأن القتل قد تعذر ، والدية بدله ، وهي متعينة عند تعذره ، أما العفو عن القصاص ، فإنه يسقط عنه منها ما قابل حقه على القاتل قصاصا ويجب عليه الباقي ، فإن كان الولي عفا إلى غير مال [ ص: 284 ] فالواجب لورثة القاتل ، ولا شيء عليهم ، وإن كان عفا إلى الدية ، فالواجب لورثة القاتل وعليهم نصيب العافي من الدية ، وقيل : حق العافي من الدية على القاتل ، وفيه نظر ; لأن الحق لم يبق متعلقا بعينه ، وإنما الدية واجبة في ذمته كما لو قتل غريمه ( وسواء كان الجميع حاضرين ، أو بعضهم غائبا ) لاستوائهما معنى ، فكذا يجب أن يكون حكما ، فإن كان القاتل هو العافي فعليه القود في قول الجمهور ، ولو ادعى نسيانه ، أو جوازه ( فإن كان بعضهم صغيرا ، أو مجنونا ) أو غائبا ( فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى يصيرا مكلفين ) ويقدم الغائب ( في المشهور ) وهو الأصح ، نصره في " المغني " ، و " الشرح " ; لأنه حق مشترك بينهما ، أشبه ما لو كانا بالغين عاقلين وكدية ، وكعبد مشترك ، بخلاف محاربة لتحتمه وحد قذف لوجوبه لكل واحد كاملا ( وعنه : له ذلك ) وقاله nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، ، والليث ; لأن الحسن بن علي قتل ابن ملجم قصاصا ، وفي الورثة صغار ، فلم ينكر ذلك أحد ، فإن ماتا ، أو أحدهما فوارثهما كهما ، وعند ابن أبي موسى تتعين الدية ، والأول المذهب ; لأنه متحتم ، فلم يجز لأحدهما استيفاؤه استقلالا كما لو كان لحاضر وغائب ، قال الأصحاب : وإنما قتل الحسن ، ابن ملجم حدا لكفره ; لأن من اعتقد إباحة ما حرم الله كافر ، وقيل : لسعيه في الأرض بالفساد ولذلك لم ينتظر الحسن غائبا من الورثة ، فيكون كقاطع الطريق وقتله متحتم ، وهو إلى الإمام ، والحسن هو الإمام ، ولأن استيفاء الإمام بحكم الولاية ، لا بحكم الأدب ( وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام ) لأنه حق يستحقه [ ص: 285 ] الوارث من جهة مورثه ، أشبه المال ، وعنه : يختص العصبة ، وهل يستحقه ابتداء أم ينتقل عن مورثه ؛ فيه روايتان .
فائدة : الأحسن أن يكون " الزوجان " مرفوعا بالألف عطفا على " كل من ورث " ووجد بخط المؤلف مجرورا ، وتكون " حتى " حرف جر بمعنى انتهاء الغاية ، أي : وكل من ورث المال ورث القصاص ينتهي ذلك إلى الزوجين وذوي الأرحام .
( ومن لا وارث له وليه الإمام ) لأنه ولي من لا ولي له ( إن شاء اقتص ) وفي " الانتصار " و " عيون المسائل " منع وتسليم ; لأن بنا حاجة إلى عصمة الدماء ، فلو لم يقتل لقتل كل من لا وارث له ، قالا : ولا رواية فيه ، وفي " الواضح " وغيره وجهان كوالد ( وإن شاء عفا ) لأنه يفعل ما يرى فيه المصلحة للمسلمين من القصاص ، أو العفو على مال ، وهو الدية ، لا أقل ، ولا مجانا ، ذكره في " المحرر " ، و " الوجيز " ، فلو عفا إلى غير مال لم يملكه ، وإن كان هو ظاهر المتن ; لأن ذلك للمسلمين ، ولا حظ لهم فيه ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ، وقيل : له أن يعفو مجانا لقصة عثمان ، وهو ظاهر هنا ، لكن الأول أولى .