فصل ، الثاني : أن يكون المسروق مالا محترما ، سواء كان مما يسرع إليه الفساد كالفاكهة ، والبطيخ ، أو لا ، وسواء كان ثمينا كالمتاع ، والذهب ، أو غير ثمين كالخشب ، والقصب . ويقطع بسرقة العبد الصغير ، ولا يقطع بسرقة حر ، وإن كان صغيرا ، وعنه : أنه لا يقطع بسرقة الصغير ، فإن قلنا : لا يقطع ، فسرقه وعليه حلي ، فهل يقطع ؛ على وجهين . ولا يقطع بسرقة مصحف ، وعند أبي الخطاب : يقطع ، ويقطع بسرقة سائر كتب العلم ، ولا يقطع بسرقة آلة لهو ، ولا محرم كالخمر . وإن سرق إناء فيه خمر ، أو صليبا ، أو صنم ذهب ، لم يقطع ، وعند أبي الخطاب : يقطع .
( الثاني : أن يكون المسروق مالا ) لأن ما ليس بمال لا حرمة له ، فلم يجب به قطع ، والأحاديث دالة على ذلك ، مع أن غير المال لا يساوي المال ، فلا يلحق به ، لا يقال : الآية مطلقة ، لأن الأخبار ، مقيدة به ، فيحمل المطلق على المقيد ، فعلى هذا : لا يقطع بسرقة كلب ، وإن كان معلما ، لأنه ليس بمال ، ولا بحر لما يأتي ( محترما ) لأنه إذا لم يكن كذلك كمال الحربي ، تجوز سرقته بكل طريق ، وجواز الأخذ منه ينفي وجوب القطع ( سواء كان مما يسرع إليه الفساد كالفاكهة والبطيخ ، أو لا ، وسواء كان ثمينا كالمتاع والذهب ، أو غير ثمين كالخشب والقصب ) لعموم قوله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ] المائدة : 38 [ ولقوله عليه السلام في الثمر : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340742من سرق منه شيئا فبلغ ثمن المجن ففيه القطع . رواه أحمد ، وأبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، وروى مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16397عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16693عمرة بنت عبد الرحمن : أن سارقا سرق أترجة في زمن nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان ، فأمر عثمان أن تقوم ، فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر بدينار ، فقطع عثمان يده ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، عن مالك ، وقال : هي الأترجة التي يأكلها الناس ، ولأن هذا مال يتمول [ ص: 117 ] عادة ، ويرغب فيه ، فيقطع سارقه كالمجفف ، وسواء كان أصله الإباحة ، أو لا ، حتى أحجار ، ولبن ، ونورة ، وفخار ، وزجاج ، وملح ، وفيه وجه : وسرجين طاهر ، والأظهر : وثلج ، وفي ماء وجهان ، وفي الواضح : في صيد مملوك محرز روايتان ، ونقل ابن منصور : لا قطع في طير ، لإباحته أصلا ، قال في الفصول : قال شيخنا : لعله أخذه من غير حرز ، وفيه نظر ، إذ كل الأموال كذلك ، وعندي أن قصد الأشياء المباحة في الأصل ، كالصيود ، وما شاكلها ، لا قطع فيها ، وفي الروضة : إن لم يتمول عادة ، كماء ، وكلإ محرز ، فلا قطع في إحدى الروايتين ( يقطع بسرقة العبد الصغير ) في قول عامتهم ، لأنه سرق مالا مملوكا ، تبلغ قيمته نصابا أشبه سائر الحيوانات ، والمراد به غير المميز ، لأن مثل ذلك لا يفهم ، ولا يميز بين سيده ، وغيره ، فإن كان كبيرا عاقلا لم يقطع بسرقته ، إلا أن يكون نائما ، أو مجنونا لا يميز بين سيده ، وغيره في الطاعة ، فيقطع سارقه ، كأعجمي لا يميز ، ولو كان كبيرا ، وفي الشرح : إن كان المسروق في حال نومه ، أو جنونه ، أو أم ولد فوجهان ، وفي الكافي : لا يقطع كبير ، أكرهه ، وفي الترغيب في عبد نائم وسكران : وجهان .
فرع : إذا سرق المكاتب لم يقطع بخلاف ماله إلا أن يكون سيده هو السارق ( ولا يقطع بسرقة حر ، وإن كان صغيرا ) في ظاهر المذهب ، وهو قول أكثرهم ، لأنه ليس بمال ، أشبه الكبير ( وعنه : أنه لا يقطع بسرقة الصغير ) كالمجنون ، لأنه مسروق ، أشبه المال والبهيمة ، وجوابه : أنه ليس بمال ، فلا يقطع بسرقته كالكبير النائم ( فإن قلنا : لا يقطع ، فسرقه ، وعليه حلي ) أو [ ص: 118 ] ثياب تبلغ قيمتها نصابا ( فهل يقطع ؛ على وجهين ) أحدهما ، وقدمه في الشرح : لا قطع ، لأنه تابع لما لا قطع فيه ، أشبه ثياب الكبير ، ولأن يد الصبي على ما عليه ، بدليل أن ما يوجد مع اللقيط يكون له ، وكذا لو كان الكبير نائما على متاع فسرقه وثيابه ، لم يقطع ، لأن يده عليه .
والثاني : يقطع ، وجزم به في الآية ، وكما لو سرقه مفردا ( ولا يقطع بسرقة مصحف ) في قول أبي بكر ، والقاضي ، لأن المقصود منه كلام الله تعالى ، وهو مما لا يجوز أخذ العوض عنه ( وعند أبي الخطاب : يقطع ) ، وهو ظاهر كلام أحمد ، جزم به في الوجيز ، لعموم الآية ، والأخبار ، وكتب التفسير ، والفقه ، وقيل : إن سرقه ذمي قطع ، وإن سرقه مسلم فوجهان ، فإن قلنا : لا يقطع ، وعليه حلية تبلغ نصابا ، فوجهان ( ويقطع بسرقة سائر كتب العلم ) المباحة ، لأن ذلك مال حقيقة وشرعا ، وقيل : إن سرق كتاب فقه ، أو حديث يحتاجه لم يقطع ، وذكر القاضي في الخلاف : أنه لا يقطع إلا بسرقة دفاتر الحساب ، وعلم منه أنه لا يقطع بسرقة كتب البدع والتصاوير ، وهو كذلك ( ولا يقطع بسرقة آلة لهو ) كطنبور ، ومزمار ونحوه ، ولو بلغت قيمته مفصلا نصابا ، لأنه معصية إجماعا ، فلم يقطع بسرقته كالخمر ، وقيل : إن سرقه وكسره لم يقطع ، وإلا قطع ، فإن كان عليه حلية تبلغ نصابا فوجهان ، أحدهما ، وهو قياس قول أبي بكر : لا قطع ، لأنه متصل بما لا قطع فيه ، أشبه الخشب والأوتار ، والثاني ، وقاله القاضي : يقطع ، لأنه من حرز ، أشبه المفرد ، ( ولا محرم كالخمر ) ، والخنزير ، والميتة ، ونحوها ، سواء سرقه من مسلم ، أو كافر ، لأنها [ ص: 119 ] عين محرمة ، فلم يقطع بسرقتها كالخنزير ، ولأن ما لا يقطع بسرقته من مال مسلم لا يقطع بسرقته من الذمي ، كالدم ، وعنه : ولم يقصد سرقة ، وفي الترغيب مثله في إناء نقد ، وفي الفصول في قضبان الخيزران ومخاد الجلود المعدة للصوفية : يحتمل كآلة لهو ، ويحتمل القطع ( وإن سرق إناء فيه خمر ) لم يقطع على المذهب ، لأنه متصل بما لا قطع فيه ، أشبه ما لو سرق شيئا مشتركا بينه وبين غيره ، بحيث تبلغ قيمته ، قال في المستوعب : لو سرق إناء فيه ماء أو خمر لم يقطع ، على قول أكثر أصحابنا ، ( أو صليبا أو صنم ذهب ) ، أو فضة ، وعبارة الفروع : أو صنم نقد ، وهي أولى ( لم يقطع ) ، وهو قول القاضي ، وجزم به في الوجيز ، وقدمه في الفروع ، ( وعند أبي الخطاب : يقطع ) وهو ظاهر كلام أحمد ، ووجههما ما سبق في سرقة آلة لهو ، وهذا بخلاف ما لو كسر آلة النقدين بكل وجه ، لم تنقص قيمته عن النصاب ، ولأنهما جوهران يغلبان على الصنعة ، ولأنه مجمع على تحريمه ، وكذا يقطع بإناء نقد بها تماثيل ، وقيل : إن لم يقصد إنكارا .