ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالمنجنيق والنار إلا لضرورة ، ولا يستعين في حربهم بكافر . وهل يجوز أن يستعين عليهم بسلاحهم وكراعهم ؛ على وجهين . ولا يتبع لهم مدبر ، ولا يجاز على جريح ، ولا يغنم لهم مال ، ولا تسبى لهم ذرية ، ومن أسر من رجالهم حبس حتى تنقضي الحرب ، ثم يرسل ، وإن أسر صبي ، أو امرأة ، فهل يفعل به ذلك ، أو يخلى في الحال ؛ يحتمل وجهين . وإذا انقضى الحرب فمن وجد منهم ماله في يد إنسان أخذه ، ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم حال الحرب من نفس أو مال ، وهل يضمن البغاة ما أتلفوه على أهل العدل في الحرب ؛ على روايتين . ومن أتلف في غير حال الحرب شيئا ضمنه ، وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة ، أو خراج ، أو جزية لم يعد عليهم ، ولا على صاحبه . ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل بغير يمين ، وإن ادعى ذمي دفع جزيته إليهم لم يقبل إلا ببينة ، وإن ادعى إنسان دفع خراجه إليهم فهل يقبل بغير بينة ؛ على وجهين . وتجوز شهادتهم ، ولا ينقض من حكم حاكمهم إلا ما ينقض من حكم غيره .
( ولا يقاتلهم بما يعم إتلافه كالمنجنيق والنار ) لأنه يعم من يجوز ومن لا يجوز ( إلا لضرورة ) كما في دفع الصائل ، فإن رماهم البغاة به ( جاز رميهم ، ولا يستعين في حربهم بكافر ) لأنه لا يستعان في قتال الكفار به ، فلأن لا يستعان به في قتال مسلم بطريق الأولى ، ولأن القصد كفهم لا قتلهم ، وهو لا يقصد قتلهم ، فإن احتاج فقدر عن كفهم عن فعل ما لا يجوز جازت الاستعانة بهم ، وإلا فلا .
أحدهما : لا ، جزم به ابن هبيرة ، عن أحمد ، وحكاه القاضي والمؤلف عن أحمد ، وصححه ابن حمدان ، لأن الإسلام عصم أموالهم ، وإنما أتيح قتالهم لردهم إلى الطاعة ، فيبقى المال على العصمة ، كمال قاطع الطريق ، إلا أن تدعو ضرورة ، فيجوز كأكل مال الغير في المخمصة ، والثاني : يجوز ، جزم به في " الوجيز " ، وذكر القاضي أن أحمد أومأ إليه قياسا على أسلحة الكفار ، وعليه : لا يجوز قتالهم ، ويجب رده بعد أن تنقضي الحرب ، كما يرد سائر أموالهم ، ولا يرده حال الحرب ، لئلا يقاتلونا به ( ولا يتبع لهم مدبر ، ولا يجاز على جريح ) ولا يجوز قتلهم إذا تركوا القتال في قول الأكثر ، لما روى مروان ، قال : خرج خارج يوم الجمل لعلي : لا يقتلن مدبر ، ولا يذفف على جريح ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن ألقى السلاح فهو آمن . رواه سعيد ، وعن عمار نحوه ، وكالصائل ، وفي " الترغيب " : إن المدبر من انكسرت شوكته لا المتحرف إلى موضع آخر ، فعلى هذا إذا قتل إنسانا منع من قتله ضمنه ، وهل يلزمه القصاص ؛ فيه وجهان ( ولا يغنم لهم مال ) لأنهم [ ص: 163 ] لم يكفروا ببغيهم وقتالهم ، وعصمة الأموال تابعة لدينهم ( ولا تسبى لهم ذرية ) لا نعلم فيه خلافا لأحد ، لأنهم لم يحصل منهم سبب أصلا ، بخلاف أهل البغي ، فإنه وجد منهم البغي والقتال .
( ومن أسر من رجالهم حبس حتى تنقضي الحرب ) لأن في إطلاقهم ضررا على المسلمين ( ثم يرسل ) بعد ذلك ، لأن المانع من إرسالهم خوف مساعدة أصحابهم ، وقد زال ، وفي " الترغيب " : لا ، مع بقاء شوكتهم ، وقيل : يرسل إن أمن ضرره ، فإن بطلت ، ويتوقع اجتماعهم في الحال فوجهان .
فرع : إذا أسر رجلا مطاعا خلي ، زاد في " الرعاية " : إن أمن شره ، فإن أبى أن يدخل في الطاعة ، وفي " الكافي " و " الشرح " : وكان رجلا جلدا حبس ، وأطلق بعد الحرب ، زاد في " الشرح " : وشرط عليه ألا يعود إلى القتال .
( وإن أسر صبي أو امرأة ، فهل يفعل به ذلك ، أو يخلى في الحال ، يحتمل وجهين ) .
أحدهما : يحبسون ، لأن فيه كسر قلوب البغاة ، وكالرجل .
والثاني : يخلون في الحال ، قدمه في " الرعاية " ، وصححه في " الكافي " و " الشرح " ، لأنه لا يخشى من تخليته .
فرع : لا يكره للعادل قتل ذوي رحمه الباغين ، ذكره القاضي ، لأنه قتل بحق ، أشبه إقامة الحد عليه ، والأصح يكره ، وقدمه في " الفروع " ، لقوله تعالى : وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ] لقمان : 15 [ قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : كف النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=266أبا حذيفة بن عتبة عن [ ص: 164 ] قتل أبيه ، وقال بعضهم : لا يحل ، وذكره في " الفروع " احتمالا ، لأنه تعالى أمر بمصاحبته بالمعروف .
تنبيه : يجوز فداء أسارى أهل العدل بأسارى البغاة ، فإن قتل أهل البغي أسارى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أسراهم ، فإن اقتتلت طائفتان من البغاة فقدر الإمام على قهرهما ، لم يعن إحداهما على الأخرى ، وإن عجز وخاف اجتماعهما على حربه ضم إليه أقربهما إلى الحق ، فإن استويا اجتهد في ضم إحداهما ، ولا يقصد بذلك معونة إحداهما ، بل الاستعانة على الأخرى ، فإذا هزمها لم يقاتل من معه حتى يدعوهم إلى الطاعة ( وإذا انقضى الحرب فمن وجد منهم ماله في يد إنسان أخذه ) لقول علي : من عرف شيئا أخذه ، ولأنه مال معصوم بالإسلام ، أشبه مال غير البغاة ( ولا يضمن أهل العدل ما أتلفوه عليهم حال الحرب من نفس أو مال ) لأنه إذا لم يمكن دفع البغاة إلا بقتلهم جاز ، ولا شيء على قاتلهم من إثم ، ولا ضمان ، ولا كفارة ، لأنه فعل ما أمر به ، كما لو قتل الصائل عليه ( وهل يضمن البغاة ما أتلفوه على أهل العدل في الحرب ؛ على روايتين ) .
إحداهما : لا ضمان ، قدمها في " الكافي " و " الفروع " ، ونصرها في " الشرح " ، والقاضي في " الخلاف " ، وصححها ، لقول nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون ، فأجمعوا أن لا يقاد أحد ، ولا يؤخذ مال ، على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه ، ذكره أحمد في رواية الأثرم ، واحتج به ، رواه الخلال ، قال القاضي : وهذا إجماع منهم مقطوع به ، ولأن تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم من [ ص: 165 ] الرجوع إلى الطاعة ، فسقط كأهل الحرب ، وكأهل العدل .
والثانية : يضمنون ، جزم بها في " الوجيز " ، لقول أبي بكر : لأهل الردة تودون قتلانا ، ولا نودي قتلاكم ، ولأنها نفوس ، وأموال معصومة أتلفت بغير حق ولا ضرورة دفع مباح ، فوجب ضمانه كالذي تلف حال الحرب ، وجوابه : أن أبا بكر رجع عنه إلى قول عمر ولم يمضه ، ثم لو وجب التعزير في حق المرتدين لم يلزم مثله هنا ، فإن هؤلاء طائفة من المسلمين لهم تأويل سائغ ، وأولئك كفار لا تأويل لهم ، وإذا ضمن المال ، ففي القود وجهان ، فإن أهدر فالقود أولى ( ومن أتلف في غير حال الحرب شيئا ضمنه ) أي : من الفريقين ، رواية واحدة ، قاله في " المستوعب " ، لأن الأصل وجوب الضمان ، ترك العمل به في حال الحرب للضرورة ، فيبقى ما عداه ، وهل يتحتم قتل الباغي ؛ إذا قتل أحدا من أهل العدل في غير المعركة ؛ فيه وجهان ، الأصح : أنه لا يتحتم ، فأما الخوارج فالصحيح إباحة قتلهم ، فلا قصاص على أحد منهم ، ولا ضمان عليه في ماله ( وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج أو جزية لم يعد عليهم ، ولا على صاحبه ) روي عن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=119وسلمة بن الأكوع ، وقاله أكثر العلماء ، لما روي أن عليا لما ظهر على أهل البصرة لم يطالبهم بشيء مما جبوه ، ولأن في ترك الاحتساب بها ضررا عظيما ومشقة كبيرة ، فإنهم قد يغلبون على البلاد السنين الكثيرة ، فلو لم يحتسب بما أخذوه لحصل الضرر ، وظاهره : لا فرق بين الخوارج وغيرهم ، وقال أبو عبيد : يجزئ دفع الزكاة إلى بغاة وخوارج ، ونص عليه أحمد في الخوارج ، ويقع موقعه ، قال القاضي في " الشرح " : هذا [ ص: 166 ] محمول على أنهم خرجوا بتأويل ، وذكر في موضع آخر : إنما يجوز أخذهم إذا نصبوا لهم إماما ، وفي الأحكام السلطانية : أنه لا يجزئ الدفع إليهم اختيارا ، وعن أحمد : الوقف فيما أخذوه من زكاة ، فلو صرفه أهل البغي في جهته صح ، قال ابن حمدان : ودفع سهم المسترزقة إلى أجنادهم يحتمل وجهين ( ومن ادعى دفع زكاته إليهم قبل بغير يمين ) لأن الزكاة لا يستحلف فيها ، قال أحمد : لا يستحلف الناس على صدقاتهم ( وإن ادعى ذمي دفع جزيته إليهم لم يقبل إلا ببينة ) لأنهم غير مأمونين ، ولأنها عوض أشبهت الأجرة ، وقيل : يقبل قولهم إذا مضى الحول ، لأن الظاهر أن البغاة لا يدعون الجزية لهم ( وإن ادعى إنسان دفع خراجه إليهم فهل يقبل بغير بينة ؛ على وجهين ) .
أشهرهما : لا يقبل إلا ببينة ، قدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ، لأنه عوض أشبه الجزية .
والثاني : يقبل ، لأنه حق على مسلم ، فقبل قوله كالزكاة ، وقيل : بلى ، إن حلف ( وتجوز شهادتهم ) لأنهم أخطئوا في فرع من فروع الإسلام باجتهادهم ، أشبه المختلفين من الفقهاء في الأحكام ، وإذا لم يكونوا من أهل البدع قبلت شهادتهم كأهل العدل ، بغير خلاف نعلمه ، قال ابن عقيل : تقبل شهادتهم ، ويؤخذ عنهم العلم ما لم يكونوا دعاة . انتهى . فأما الخوارج ، وأهل البدع إذا خرجوا على الإمام فلا تقبل لهم شهادة ، لأنهم فساق ( ولا ينقض من حكم حاكمهم إلا ما ينقض من حكم غيره ) لأن نفيهم في أمر يسوغ فيه التأويل ، أشبه الاختلاف في الفروع ، فعلى هذا : إن خالف حكم حاكمهم نصا أو إجماعا ، أو كان ممن يستحل دماء أهل العدل ، وأموالهم نقض حكمه [ ص: 167 ] فرع : إذا كتب قاضيهم إلى قاضي أهل العدل جاز قبول كتابه ، لأنه قاض ثابت القضاء ، وفي " المغني " ، و " الشرح " ، و " الترغيب " : الأولى رد كتابه قبل حكمه كسرا لقلوبهم ، فأما الخوارج إذا ولوا قاضيا لم يجز قضاؤه للفسق ، وفي " المغني " ، و " الشرح " احتمال : يصح قضاؤه دفعا للضرر ، كما لو أقام الحد ، أو أخذ جزيته وخراجا وزكاة .