فصل : وإن حرم أمته أو شيئا من الحلال لم يحرم ، وعليه كفارة يمين إن فعله ، ويحتمل أن يحرم عليه تحريما تزيله الكفارة ، وإن قال : هو يهودي ، أو كافر ، أو بريء من الله ، أو من الإسلام ، أو القرآن ، أو النبي صلى الله عليه وسلم ، إن فعل ذلك فقد فعل محرما ، وعليه كفارة إن فعل في إحدى الروايتين . وإن قال : أنا أستحل الزنى ونحوه ، فعلى وجهين . وإن قال : عصيت الله ، أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني ، أو محوت المصحف ، إن فعلت ، فلا كفارة عليه . وإذا قال : عبد فلان حر لأفعلن ، فليس بشيء ، وعنه : عليه كفارة إن حنث ، وإن قال : أيمان البيعة تلزمني ، فهي يمين رتبها الحجاج ، فتشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال . فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها ، وإلا فلا شيء عليه ، ويحتمل ألا تنعقد بحال إلا في الطلاق والعتاق . وإن قال : علي نذر أو يمين إن فعلت كذا ، وفعله ، فقال أصحابنا : عليه كفارة يمين . .
( وإن قال : عصيت الله ، أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني ، أو محوت المصحف إن فعلت ، فلا كفارة عليه ) نص عليه ، وقدمه في المحرر والرعاية ، وجزم به في الكافي والشرح ، لأن هذه الأشياء لا نقص فيها يقتضي الوجوب ، ولا هي في معنى ما سبق ، فيبقى الحالف على البراءة الأصلية ، واختار في المحرر : أنه إذا قال عصيت الله في كل ما أمرني ، أنه يمين لدخول التوحيد فيه ، وقال ابن عقيل في محوت المصحف : هو يمين ، لأن الحالف لم يقصد بقوله : محوته ، إلا إسقاط حرمته ، فصار كقوله هو يهودي ، ولأنه إذا أسقط حرمته كان يمينا ، كذا إذا أتى بما في معناه [ ص: 275 ] ( وإذا قال : عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء ) أي : فلغو ، وكذا إن علقه ، لأن تعليق الشيء بالشرط رجاء أن يصير عند الشرط كالمطلق ، وإذا كان المطلق لا يوجب شيئا ، فكذا المعلق ، ولا يعتق العبد إذا حنث بغير خلاف ، لأنه لا يعتق بتنجيزه ، فالمعلق أولى ، ولا تلزمه كفارة ، لأنه حلف بإخراج مال غيره ، كما لو قال : مال فلان صدقة ( وعنه : عليه كفارة إن حنث ) لأنه حلف بالعتق فيما لا يقع إلا بالحنث ، كما لو قال : لله علي أن أعتق فلانا ، والأول أصح ، والفرق بينهما : أن قوله : لله علي إلى آخره ، أنه نذر فأوجب الكفارة ، لكون النذر كاليمين ، وتعليق العتق بخلافه .
فرع : إذا قال : إن فعلت كذا فمال فلان صدقة ، أو فعلى فلان الحج ، أو هو بريء من الإسلام ، وأشباه ذلك ، فليس بيمين ، ولا تجب به كفارة بغير خلاف نعلمه ، قاله المؤلف ، وذكر السامري فيه الخلاف .
( وإن قال : أيمان البيعة تلزمني ) البيعة : المبايعة ، أن يحلف بها عند المبايعة والأمر المهم ، وكانت البيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بالمصافحة ( فهي يمين رتبها nindex.php?page=showalam&ids=14078الحجاج ) بن يوسف بن الحكم بن عقيل الثقفي ، ولاه nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان قتال ابن الزبير ، فحاصره بمكة ، ثم قتله ، وأخرجه فصلبه ، فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين ، ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين ، فوليها عشرين سنة فزلزل أهلها ، وروى ابن قتيبة عن عمر أنه قال : يا أهل الشام ، تجهزوا لأهل العراق ، فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ ، اللهم عجل لهم الغلام الثقفي ، الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية ، لا يقبل من محسنهم ، ولا يتجاوز عن مسيئهم ( فتشتمل على اليمين بالله تعالى ، والطلاق ، والعتاق ، وصدقة المال ) ذكره [ ص: 276 ] الأصحاب ، زاد بعضهم : والحج ( فإن كان الحالف يعرفها ونواها ، انعقدت يمينه بما فيها ) من الطلاق والعتاق ، لأن اليمين بهما تنعقد بالكناية ، فكذا ما عداهما في قول القاضي ، وقدمه في الرعاية ، واستثنى في الوجيز اليمين بالله تعالى ، وهو قول القاضي ، وجزم به في الكافي ، لأن الكفارة إنما وجبت فيها لما ذكر فيها من اسم الله المعظم ، ولا يوجد ذلك في الكناية ( وإلا فلا شيء عليه ) أي : إذا لم يعرفها ولم ينوها فلغو ، لأن ذلك إنما ينعقد بالكناية ، ولا مدخل لها في ذلك ، ولأنه لا يصح مع النية فيما لا يعرفه ، وسئل nindex.php?page=showalam&ids=14209أبو القاسم الخرقي عنها ، فقال : لست أفتي فيها بشيء ، ثم قال : إلا أن يلتزم الحالف بجميع ما فيها من الأيمان ، فقال : يعرفها ، أو لا يعرفها ، قال : نعم ، فيؤخذ منه إذا نواها ، وإن لم يعرفها ( ويحتمل ألا تنعقد بحال ) لما ذكرنا ( إلا في الطلاق والعتاق ) لانعقادهما بالكناية ، وقيل : والصدقة ، وفي الترغيب : إن علمها لزمه عتق وطلاق .
فرع : لم يذكر المؤلف حكم أيمان المسلمين ، ويلزمه فيها : عتق ، وطلاق ، وظهار ، ونذر ، ويمين بالله بنية ذلك ، وفي اليمين بالله الوجهان ، وألزم القاضي الحالف بالكل ، ولو لم ينو ، ومن حلف بأحدها ، فقال آخر : يميني من يمينك ، أو عليها ، أو مثلها ، ينوي التزام مثلها ، لزمه ، نص عليه في طلاق ، وفي المكفرة وجهان ، وذكر السامري : أنه إذا كانت يمين الأول مما ينعقد بالكناية ، كطلاق ، وعتق انعقدت يمين الثاني ، وإلا فلا ، وفي الكافي والشرح : أن اليمين بالله لا تنعقد ، وإن لم ينو شيئا ، لم تنعقد يمينه لأن الكناية لا تنعقد بغير نية ، وهذا ليس بصريح .