باب جامع الأيمان ، ويرجع في الأيمان إلى النية ، فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها ، فإذا حلف : ليقضينه حقه غدا ، فقضاه قبله ، لم يحنث إذا قصد ألا يتجاوزه ، أو كان السبب يقتضيه ، وإن حلف لا يبيع ثوبه إلا بمائة ، فباعه بأكثر لم يحنث ، وإن باعه بأقل حنث ، وإن حلف لا يدخل دارا ، ونوى اليوم ، لم يحنث بالدخول في غيرها ، وإن دعي إلى غداء ، فحلف لا يتغدى ، اختصت يمينه به إذا قصده ، وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش ، يقصد قطع المنة ، حنث بأكل خبزه واستعارة دابته ، وكل ما فيه المنة ، وإن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها ، يقصد قطع منتها ، فباعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه حنث ، وإن حلف لا يأوي معها في دار - يريد جفاءها - ولم يكن للدار سبب هيج يمينه ، فأوى معها في غيرها حنث . وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل ، أو على زوجته فطلقها ، أو على عبده فأعتقه ، ونحوه يريد ما دام كذلك ، انحلت يمينه ، فإن لم تكن له نية انحلت يمينه أيضا ، ذكره القاضي ، لأن الحال تصرف اليمين إليه ، وذكر في موضع آخر أن السبب إذا كان يقتضي التعميم عممناه به ، وإن اقتضى الخصوص ، مثل : من نذر لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه ، فزال الظلم ، فقال أحمد : النذر يوفى به ، والأول أولى ، لأن السبب يدل على النية ، فصار كالمنوي سواء ، وإن حلف : لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي ، فعزل ، انحلت يمينه ، إن نوى ما دام قاضيا ، وإن لم ينو احتمل وجهين .
باب جامع الأيمان
( ويرجع في الأيمان إلى النية ) أي : إلى نية حالف ليس ظالما ، نص عليه ، ولفظه يحتملها ، فمتى نوى بيمينه ما يحتمله تعلقت يمينه بما نواه ، دون ما لفظ به ، سواء نوى ظاهر اللفظ ، أو مجازه ، مثل أن ينوي موضوع اللفظ ، أو الخاص بالعام ، أو بالعكس ، ذلك لقوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340883وإنما لامرئ ما نوى فتدخل فيه الأيمان ، ولأن كلام الشارع إلى ما دل الدليل على ما أراده دون ظاهر اللفظ ، فكلام المتكلم مع اطلاعه على تعين إرادته أولى ، ويقبل حكما مع قرب من الظاهر ، ومع توسطه روايتان : أشهرهما : القبول [ ص: 282 ] مسألة : يجوز التعريض في المخاطبة لغير ظالم بلا حاجة ، اختاره الأكثر ، وقيل : لا ، ذكره الشيخ تقي الدين ، واختاره ، لأنه تدليس كتدليس المبيع ، وقد كره أحمد التدليس ، وقال : لا يعجبني ، ونصه : لا يجوز التعريض مع اليمين ( فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها ) قدمه في الخرقي والإرشاد والمبهج ، وجزم به في الوجيز ، وحكى رواية ، وقدمه القاضي بموافقته الوضع ، وعنه : يقدم عليه ، وذكرها القاضي ، وعليها عموم لفظه احتياطا ، ثم إلى التعيين ، وقيل : يقدم عليه وضع لفظه شرعا أو عرفا أو لغة ، وفي المذهب : في الاسم والعرف وجهان ، وذكر أنه النية ، ثم السبب ، ثم مقتضى لفظه عرفا أو لغة ( فإذا حلف : ليقضينه حقه غدا ، فقضاه قبله ، لم يحنث إذا قصد ألا يتجاوزه ، أو كان السبب يقتضيه ) لأن مقتضى اليمين تعجيل القضاء ، ولأن السبب يدل على النية ، فإن لم ينو ذلك ، ولا كان السبب يقتضيه ، فظاهر كلام الخرقي ـ وقدمه في الرعاية وغيرها ـ أنه لا يبرأ إلا بقضائه في الغد ، وقال القاضي : يبرأ في كل حال ، لأن عرف هذه اليمين في القضاء التعجيل ، فتنصرف اليمين المطلقة إليه ، والأول أصح ، فلو حلف ليقضينه غدا ، وقصد مطله ، فقضاه قبله ، حنث ، ذكره في المحرر والرعاية ، فإن كان كأكل شيء أو بيعه ، فإن عين وقتا ، ولم ينو ما يقتضي تعجيله ، ولا كان سبب يمينه يقتضيه ، لم يبرأ إلا أن يفعله في وقته ، نصره المؤلف وغيره ، وذكر القاضي : أنه يبرأ بتعجيله عن وقته ( وإن حلف لا يبيع ثوبه إلا بمائة ، [ ص: 283 ] فباعه ، بأكثر لم يحنث ) لأنه لم يخالف ما حلف عليه ( وإن باعه بأقل حنث ) لأن الحال تدل على ذلك ، كما لو حلف : ما له علي ، وله علي شيء كثير ( وإن حلف لا يدخل دارا ، ونوى اليوم ، لم يحنث بالدخول في غيرها ) لأن العبرة في الأيمان بالنية ، ولأن اللفظ العام يصير بالإرادة خاصا ، ولو كانت يمينه خاصة كقوله : لا دخلت دارا اليوم ، لم يحنث بالدخول في غيره ، فكذا إذا نواه ، وفي الفروع : إن حلف لا يدخل دارا ، ونوى اليوم ، قبل حكما ، وعنه : لا ، ويدين .
( وإن دعي إلى غداء ، فحلف لا يتغدى ، اختصت يمينه به ، إذا قصده ) أي : اختصت يمينه بالغداء عند الداعي إذا قصده ، لأن اللفظ ، وإن كان عاما ، لكن القصد خصصه ، فصار كما لو دعي إلى غداء ، فحلف : لا يتغدى عند الداعي ، وفيه وجه .
ونص عليه أحمد في مواضع ، ذكره القاضي في الخلاف ، وذكر ابن عقيل : لا أقل منه ، كقعوده في ضوء ناره ، وعلى ما ذكره المؤلف : إن لم يقصد قطع المنة لم يحنث ، إلا أن يكون ثم سبب ، وإن كان لهذه اليمين عادة وعرف ، فهو كمن حلف : ليقضينه حقه غدا ، فقضاه قبله ( وإن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها ، يقصد قطع منتها ، فباعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه حنث ) وكذا إن [ ص: 284 ] انتفع بثمنه ، نص عليه في رواية أبي طالب ، وذكره القاضي في الخلاف ، وهو قول أكثرهم ، لقوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340884لعن الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم فجملوها ، فباعوها وأكلوا ثمنها ويحنث بالانتفاع به في غير اللبس ، لأنه نوع انتفاع به يلحق المنة به ، وإن لم يقصد قطع المنة ، ولا كان سبب يمينه يقتضي ذلك ، لم يحنث إلا بما تناولته يمينه ، وهو لبسه خاصة ، فإن نوى اجتناب اللبس خاصة ، قدمت النية على السبب وجها واحدا ، قاله في المغني ، لأن النية وافقت مقتضى اللفظ ، ولا يتعدى الحكم إلى كل ما فيه منة ، جزم به في الكافي والشرح ، وقدمه في الرعاية ، لأن لكونه ثوبا من غزلها أثرا في داعية اليمين ، فلم يجز حذفه ، وقيل : إن انتفع بما لها فيه منة بقدره ، أو ارتد ، حنث ، جزم به في الترغيب ، وذكر في التعليق والمفردات وغيرهما : يحنث بشيء منها ، لأنه لا يمحو منتها إلا بالامتناع مما يصدر عنها ، مما يتضمن منة ، ليخرج مخرج الوضع العرفي .
تنبيه : إذا كان اللفظ أعم من السبب ، كرجل امتنت عليه زوجته ببيتها ، فحلف لا يسكن بيتا ، فقيل : يحمل اللفظ على عمومه ، ككلام الشارع ، والأشهر أن العبرة بخصوص السبب ، لأن حاله دالة على إرادة الخاص ، أشبه ما لو نواه ، لإقامة السبب مقام النية ( وإن حلف لا يأوي معها في دار يريد جفاءها ، ولم يكن للدار سبب هيج يمينه ، فأوى معها في غيرها ، حنث ) أو لا عدت رأيتك تدخلينها ، ينوي منعها ، حنث ، ولو لم يرها لمخالفته ما حلف على تركه ، ومعنى الإيواء الدخول ، يقال : أويت أنا ، وآويت غيري ، لقوله تعالى : [ ص: 285 ] إذ أوى الفتية إلى الكهف ] الكهف : 10 [ 30 وآويناهما إلى ربوة [ المؤمنون : 50 ] فإن اجتمع معها فيما ليس بدار ، ولا بيت لم يحنث ، سواء كانت الدار سبب يمينه ، أو لم تكن ، لأنه قصد جفاءها بهذا النوع ، ونقل ابن هانئ : أقل الإيواء ساعة ، وجزم به في الترغيب .
مسألة : إذا حلف لا يدخل عليها بيتا فدخل عليها فيما ليس ببيت ، فإن قصد جفاءها ، ولم يكن للدار سبب هيج يمينه ، حنث ، وإلا فلا ، قاله في المغني والشرح ، فإن دخل على جماعة هي فيهم ، يقصد الدخول عليها ، حنث ، وكذا إن لم يقصد شيئا ، وإن استثناها بقلبه فوجهان ، فإن دخل بيتا لا يعلم أنها فيه فوجدها فيه ، فهو كالدخول عليها ناسيا ، وفيه روايتان ، فإن قلنا : لا يحنث ، فأقام ، فهل يحنث ؛ على وجهين .
( وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل ، أو على زوجته فطلقها ، أو على عبده فأعتقه ، ونحوه يريد ما دام كذلك ، انحلت يمينه ) لأن الخروج بعد ما ذكر بغير الإذن خروج لم يتناوله لتخصيص اللفظ بإرادة زمن العمالة ، والزوجية ، والعبودية ( فإن لم تكن له نية انحلت يمينه أيضا ، ذكره القاضي ، لأن الحال تصرف اليمين إليه ) لأن السبب يدل على النية في الخصوص ، لدلالتها عليه في العموم ، ولو نوى الخصوص لاختصت يمينه به ، فكذا إذا وجد ما يدل عليها ، وقدم في الرعاية : أنها لا تنحل ، لأن لفظ الشارع إذا كان عاما لسبب خاص ، وجب الأخذ بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب ، كذلك يمين الحالف ، لأن اليمين إذا تعلقت بعين [ ص: 286 ] موصوفة تعلقت بالعين ، وإن تغيرت الصفة ، وذكر القاضي فيمن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل ، أنها لا تنحل في قياس المذهب ، وهو وجه ، والأول أولى ( وذكر في موضع آخر أن السبب إذا كان يقتضي التعميم عممناه به ، وإن اقتضى الخصوص ، مثل من نذر لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه ، فزال الظلم ، فقال أحمد : النذر يوفى به ) نظرا إلى عموم اللفظ ، فيجب أن يعتبر ( والأول أولى ، لأن السبب يدل على النية ، فصار كالمنوي سواء ) لأن أصوله تقتضي تقديم النية والسبب على عموم اللفظ ، وذلك يقتضي تخصيص اللفظ العام وقصره على الحاجة ، فكذا تجب في هذه المسائل ، لكونها داخلة في القواعد الكلية .
تنبيه : إذا اختلف السبب والنية ، مثل أن امتنت عليه امرأته بغزلها ، فحلف لا يلبس ثوبا من غزلها ، ينوي اجتناب اللبس خاصة ، دون الانتفاع بثمنه وغيره ، قدمت النية على السبب وجها واحدا ، لأن النية وافقت مقتضى اللفظ ، وإن نوى بيمينه ثوبا واحدا ، فكذلك في ظاهر قول الخرقي ، وقال القاضي : يقدم السبب ، لأن اللفظ ظاهر في العموم ، والسبب وهو الامتنان يؤكد ذلك الظاهر ، والأول أصح ، لأن السبب إنما اعتبر لدلالته على القصد ، فإذا خالف حقيقة القصد لم يعتبر ، فكان وجوده كعدمه ، فلم يبق إلا اللفظ بعمومه ، والنية تخصه على ما بيناه ( وإن حلف : لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي ، فعزل ، انحلت يمينه إن نوى ما دام قاضيا ) لأن الرفع بمنزلة الخروج ، فيما إذا حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه ، ونوى ما دام عاملا ( وإن لم ينو احتمل وجهين ) أحدهما : [ ص: 287 ] لا تنحل ، قال القاضي : هو قياس المذهب ، والثاني : بلى ، وهو ظاهر الوجيز ، لأنه لا يقال : رفعه إليه إلا في حال ولايته ، فعلى الأول : إذا رفعه إليه بعد العزل بر ، وإلا فلا ، وإذا رأى منكرا في ولايته وأمكن رفعه ولم يرفعه حتى عزل لم يبر ، وهل يحنث بعزله ؛ فيه وجهان .
أحدهما : يحنث كما لو مات .
والثاني : لا ، لأنه لم يتحقق فواته ، لاحتمال أن يلي فيرفعه إليه ، وإن مات قبل إمكان رفعه إليه حنث في الأصح ، وإن لم يعين الوالي ، إذن ؛ ففي تعيينه وجهان ، في الترغيب للتردد بين تعيين العهد والجنس ، وفيه لو علم به بعد علمه ، فقيل : فات البر كما لو رآه معه ، وقيل : لا ، لإمكان صورة الرفع ، فعلى الأولى : هي كإبرائه من دين بعد حلفه ليقضيه ، وفيه وجهان ، وكذا قوله جوابا لقولها : تزوجت علي ، فقال : كل امرأة لي طالق ، فإنها تطلق معهم ، نص عليه ، أخذا بالأعم من لفظ وسبب .
مسائل : الأولى : إذا حلف : لا رأيتك تدخلين دار زيد ، يريد منعها ، حنث ، وإن لم يرها ، وإن حلف : لا يبيت عند فلانة فمكث عندها حتى مضى أكثر الليل ، حنث ، لأن البيتوتة تقع عليه ، وإن مكث أقل فعلى الخلاف في فعل بعض المحلوف عليه .
الثانية : إذا حلف لا يكفل بمال ، فكفل ببدن ، فقال أصحابنا : يحنث ، وقال المؤلف : والقياس عدمه ، وذكر السامري وابن حمدان : يحنث ، إلا إذا شرط البراءة من المال ، وصححنا هذا الشرط .
الثالثة : إذا حلف لا يأوي مع زوجته هذا العيد ، فقال أحمد في رواية [ ص: 288 ] إسماعيل بن سعيد : إذا عيد الناس دخل إليها ، قلت : فإن قال : أيام العيد ، فقال : على ما يعرفه الناس ويعهدون بينهم ، وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال : حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا حتى يفرغوا من عيدهم ، يعني : من صلاتهم ، وقال ابن أبي موسى : ويتوجه أن لا يأوي عندها في عيد الفطر حتى تغيب شمس يومه ، ولا يأوي في عيد الأضحى حتى تغيب شمس آخر يوم من أيام التشريق .