فصل : فأما الأسماء العرفية ، فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة ، كالراوية ، والظعينة ، والدابة ، والغائط ، والعذرة ، ونحوها ، فتتعلق اليمين بالعرف دون الحقيقة . وإن حلف على وطء امرأته ، تعلقت يمينه بجماعها ، وإن حلف على وطء دار ، تعلقت يمينه بدخولها راكبا ، أو ماشيا ، أو حافيا ، أو منتعلا ، وإن حلف لا يشم الريحان ، فشم الورد والبنفسج والياسمين ، أو لا يشم الورد والبنفسج ، فشم دهنهما أو ماء الورد ، فالقياس أنه لا يحنث ، وقال بعض أصحابنا : يحنث . وإن حلف لا يأكل لحما ، فأكل سمكا ، حنث عند الخرقي ، ولم يحنث عند ابن أبي موسى ، وإن حلف لا يأكل رأسا ، ولا بيضا ، حنث بأكل رءوس الطير ، والسمك ، وبيض السمك ، والجراد ، عند القاضي . وعند أبي الخطاب : لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة بأكله منفردا ، أو بيض يزايل بائضه حال الحياة ، وإن حلف لا يدخل بيتا ، فدخل مسجدا ، أو حماما ، أو بيت شعر ، أو أدم ، أو لا يركب ، فركب سفينة ، حنث عند أصحابنا ، ويحتمل ألا يحنث ، فإن حلف لا يتكلم ، فقرأ أو سبح ، أو ذكر الله تعالى لم يحنث ، وإن دق عليه إنسان فقال : ادخلوها بسلام آمنين ، يقصد تنبيهه ، لم يحنث ، وإن حلف لا يضرب امرأته ، فخنقها ، أو نتف شعرها ، أو عضها ، حنث ، وإن حلف ليضربنه مائة سوط ، فجمعها فضربه بها ضربة واحدة ، لم يبر في يمينه .
فصل
( فأما الأسماء العرفية ، فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة ) لأنها إذا لم تشتهر تكون مجازا لغة ، وسميت عرفية لاستعمال أهل العرف لها في غير المعنى اللغوي ، وذلك أن اللفظ قد يكون حقيقة لغوية في معنى ، ثم يصير مدلوله على معنى آخر عرفي ، ولا شبهة في وقوع ذلك ( كالراوية ) للمزادة في العرف ، وفي الحقيقة الجمل الذي يستقي عليه ( والظعينة ) هي في العرف للمرأة ، [ ص: 307 ] وفي الحقيقة للناقة التي يظعن عليها ( والدابة ) اسم لذوات الأربع ، وفي الحقيقة اسم لما دب ( والغائط ، والعذرة ) في العرف الخارج المستقذر ، وفي الحقيقة الغائط المكان المطمئن من الأرض ، والعذرة فناء الدار ( ونحوها ) أي : نحو هذه الأشياء ( فتتعلق اليمين بالعرف ) لأنه يعلم أن الحالف لا يريد غيره ، فصار كالمصرح به ( دون الحقيقة ) لأنها صارت مهجورة ، ولا يعرفها أكثر الناس .
( وإن حلف على وطء امرأته تعلقت يمينه بجماعها ) لأنه الذي ينصرف اللفظ في العرف إليه ، وإن حلف لا يتسرى ، حنث بوطئها أيضا ، وقد سبق ( وإن حلف على وطء دار تعلقت يمينه بدخولها ) لأنها غير قابلة للجماع ، فوجب تعلق يمينه بدخولها ( راكبا ، أو ماشيا ، أو حافيا ، أو منتعلا ) لأن اليمين محمولة على الدخول ، وكذا إن حلف لا يضع قدمه في الدار ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : إن دخلها راكبا لم يحنث ، لأنه لم يضع قدمه فيها ، وهل يحنث بدخول مقبرة ؛ قال في الفروع : يتوجه لا ، إن قدم العرف ، وإلا حنث ، وقد قال بعض العلماء في قوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340890السلام عليكم دار قوم مؤمنين إن اسم الدار يقع على المقابر ، قال : وهو الصحيح ، فإن الدار في اللغة يقع على الربع المسكون ، وعلى الخراب غير المأهول ( وإن حلف لا يشم الريحان ، فشم الورد والبنفسج والياسمين ) ولو كان يابسا ( أو لا يشم الورد والبنفسج ، فشم دهنهما ، أو ماء الورد ، فالقياس أنه لا يحنث ) وهذا قول القاضي ، وجزم به في الوجيز ، لأنه المسمى عرفا ، ويمينه تختص ( وقال بعض أصحابنا يحنث ) [ ص: 308 ] قدمه السامري ، والمجد ، وابن حمدان ، وصححه في الفروع ، وحينئذ يحنث بشم كل نبت ريحه طيب كمرزجوش ، لأنه يتناوله اسم الريحان حقيقة ، وعلم منه أنه لا يحنث بشم الفاكهة ، وجها واحدا .
( وإن حلف لا يأكل لحما ، فأكل سمكا ، حنث عند الخرقي ) قدمه السامري ، والجد ، وجزم به ابن هبيرة وصاحب الوجيز ، وهو المذهب ، لقوله تعالى : وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا ] النحل : 14 [ ولأنه جسم حيوان يسمى لحما ، فحنث بأكله كلحم الطير ، وتقديما للشرع واللغة ( ولم يحنث عند ابن أبي موسى ) إلا أن ينويه ، لأنه لا ينصرف إليه إطلاق اسم اللحم ، ولو وكل في شراء لحم ، فاشترى له سمكا لم يلزمه ، ويصح أن ينفي عنه الاسم ، فيقال ما أكلت لحما ، وإنما أكلت سمكا ، وكما لو حلف : لا قعدت تحت سقف ، فإنه لا يحنث بقعوده تحت السماء ، وقد سماه الله تعالى سقفا محفوظا ، لأنه مجاز ، كذا هنا ، والأول هو ظاهر المذهب ، والفرق بين مسألة اللحم والسقف أن الظاهر أن من حلف لا يقعد تحت سقف يمكنه التحرز منه ، والسماء ليست كذلك ، فعلم أنه لم يردها بيمينه ، ولأن التسمية ثم مجاز ، وهنا حقيقة لكونه من حيوان يصلح للأكل ، فكان الاسم فيه حقيقة كلحم الطير ، لقوله تعالى : ولحم طير مما يشتهون ] الواقعة : 21 [ ( وإن حلف لا يأكل رأسا ، ولا بيضا ، حنث بأكل رءوس الطير والسمك ، وبيض السمك ، والجراد ) وغير ذلك ( عند القاضي ) قدمه في [ ص: 309 ] الرعاية ، وجزم به في الوجيز ، لعموم الاسم فيه حقيقة وعرفا ، أشبه ما لو حلف لا يشرب ماء ، فإنه يحنث بشرب الماء الملح والماء النجس ، ومن حلف لا يأكل خبزا حنث بكل خبز ، وفي الترغيب : إن كان خبز بلده الأرز حنث به ، وفي حنثه بخبز غيره الوجهان ( وعند أبي الخطاب : لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة بأكله منفردا ، أو بيض يزايل بائضه حال الحياة ) لأنه لا ينصرف إليه اللفظ عرفا ، فلم يحنث ، كما لو حلف لا يأكل شواء فأكل بيضا ، ونقله في الشرح عنه ، وأنه قول أكثر العلماء ، وهو الصحيح ، وقيل : بيض السمك والجراد يزايلهما في الحياة ، ولا يؤكل في حياتهما ، وفي المحرر والفروع كالمقنع ، وفي الترغيب : إن كان بمكان العادة إفراده بالبيع فيه حنث ، وفي غير مكانه وجهان نظرا إلى أصل العادة أو عادة الحالف ، وحاصله : أنه لا يحنث بأكل شيء يسمى بيضا غير بيض الحيوان ، ولا بشيء يسمى رأسا غير رءوس الحيوان ، لأن ذلك ليس برأس ولا بيض ( وإن حلف لا يدخل بيتا ، فدخل مسجدا ، أو حماما ، أو بيت شعر ، أو أدم ) حنث ، نص عليه ، لأنهما بيتان حقيقة ، لقوله تعالى : في بيوت أذن الله أن ترفع ] النور : 36 [ وقوله تعالى : إن أول بيت وضع للناس الآية ] آل عمران : 96 [ وقوله عليه السلام : بئس البيت الحمام . رواه أبو داود وغيره ، وفيه ضعف ، وإذا كان في الحقيقة بيتا وفي عرف الشارع حنث بدخوله كبيت الإنسان ، وأما بيت الشعر والأدم ، فلأن اسم البيت يقع عليه حقيقة وعرفا ، لقوله تعالى : والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا الآية ] النحل : 80 [ [ ص: 310 ] وظاهره : أن الخيمة كذلك ، قدمه في الرعاية ، واقتصر عليه السامري ، وحكاه في الفروع منصوصا عليه ، وذكر في الكافي والشرح : أنه لا يحنث بدخولها ، لكن إن عين خيمة اقتلعت وضربت في موضع آخر أو نقلها حنث ، وعلم مما سبق أنه لا يحنث بدخول دهليز دار أو صفتها ، لأنه لا يسمى بيتا ( أو لا يركب ، فركب سفينة ، حنث عند أصحابنا ) لأنه ركوب ، لقوله تعالى : اركبوا فيها ] هود : 41 [ فإذا ركبوا في الفلك ] العنكبوت : 65 [ ( ويحتمل ألا يحنث ) وهو قول أكثرهم ، لأنه لا يسمى بيتا ولا ركوبا في العرف ، وظاهره : أن الاحتمال في الصور كلها ، وظاهر المغني : أنه في المسجد والحمام فقط ، قال : لأن أهل العرف لا تسمي ذلك بيتا ( فإن حلف لا يتكلم ، فقرأ ، أو سبح ، أو ذكر الله تعالى ، لم يحنث ) في قول أكثر العلماء ، لأن الكلام في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت : وقوموا لله قانتين ] البقرة : 238 [ فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام ، وأمر الله تعالى زكريا بالتسبيح مع قطع الكلام عنه ، وقال : إن قرأ في الصلاة لم يحنث ، وإلا حنث ، ومقتضى مذهبه أنه يحنث ، لأنه كلام ، كقوله تعالى : وألزمهم كلمة التقوى ] الفتح : 26 [ وقوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340892كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان . الخبر . والأول أشهر ، لأن ما لا يحنث به في الصلاة لا يحنث به خارجا منها ، كالإشارة ، وما ذكروه يبطل بذكر الله تعالى المشروع في الصلاة ( وإن دق عليه إنسان ) بابه ( فقال : ادخلوها بسلام آمنين ، يقصد [ ص: 311 ] تنبيهه ) بالقرآن ( لم يحنث ) لأن هذا من كلام الله تعالى ، ويمينه إنما تنصرف إلى كلام الآدميين ، قال ابن المنجا : فإن قيل : لو قال ذلك في الصلاة لبطلت ، ولو لم يكن من كلام الآدميين لما بطلت ، قيل : في ذلك منع ، وإن سلم فالفرق أن الصلاة لا تصح إلا بالقرآن ، وقد وقع التردد فيه أن ذلك قرآن ، ولا يصح مع الشك في شرطها بخلاف الحلف ، فإن شرط الحنث فيه كون المتكلم به كلام الآدميين ، وقد وقع التردد فيه ، فلا يحنث بالشك في شرطه ، وفي المذهب وجه ، وظاهره : أنه إذا لم يقصد القرآن أنه يحنث ، ذكره الأصحاب ، لأنه من كلام الآدميين ، وحقيقة الذكر ما نطق به ، فتحمل يمينه عليه ، ذكره في الانتصار ، قال الشيخ تقي الدين : الكلام يتضمن فعلا كالحركة ، ويتضمن ما يقترن بالفعل من الحروف والمعاني ، فلهذا يجعل القول قسما للفعل ، وقسما آخر ، وينبني عليه من حلف لا يعمل عملا ، فقال قولا كالقراءة ، هل يحنث ؛ فيه وجهان .
( وإن حلف لا يضرب امرأته ، فخنقها ، أو نتف شعرها ، أو عضها ، حنث ) لأنه قصد ترك تأليمها ، وقد آلمها ، وقال أبو الخطاب : يحتمل ألا يحنث بذلك ، إلا أن يقصد ألا يؤلمها ، أومأ إليه في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17163مهنا ، وهو قول في الرعاية ، لكن لو عضها للتلذذ ولم يقصد تأليمها لم يحنث .
وإن حلف ليضربنها ففعل ذلك بر ، لوجود المقصود بالضرب ، وإن ضربها بعد موتها لم يبر ، وهل اللطم والوكز ضرب ، يحتمل وجهين ، قاله ابن حمدان .
[ ص: 312 ] ( وإن حلف ليضربنه مائة سوط ، فجمعها فضربه بها ضربة واحدة ، لم يبر في يمينه ) نصره في الشرح ، واقتصر عليه السامري وصاحب الوجيز ، وقدمه في الرعاية والفروع ، لأن هذا هو المفهوم في العرف ، لأن السوط هنا آلة أقيمت مقام المصدر ، وانتصب انتصابه ، لأن معنى كلامه : لأضربنه مائة ضربة بسوط ، وهذا هو المفهوم من يمينه والذي يقتضيه لغة ، فلا يبر بما يخالف ذلك ، وعنه : يبر ، اختاره ابن حامد ، لقول أحمد في المريض الذي عليه الحد : يضرب بعثكال النخل ، يسقط عنه الحد ، وكحلفه ليضربنه بمائة ، وأجاب في الشرح عن قصة أيوب بأن هذا الحكم لو كان عاما لما خص بالمنة عليه ، وعن المريض المجلود ، بأنه إذا لم يتعد هذا الحكم في الحد الذي ورد النص فيه ، فلأن لا يتعدى إلى اليمين أولى .