وإذا ثبتت الولاية وكانت عامة ، استفاد بها النظر في عشرة أشياء : فصل الخصومات ، واستيفاء الحق ممن هو عليه ، ودفعه إلى ربه ، والنظر في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء ، والحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو فلس ، والنظر في الوقوف في عمله بإجرائها على شرط الواقف ، وتنفيذ الوصايا وتزويج النساء اللاتي لا ولي لهن ، وإقامة الحدود ، وإقامة الجمعة ، والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن طريق المسلمين وأفنيتهم ، وتصفح حال شهوده وأمنائه ، والاستبدال بمن ثبت جرحه منهم . فأما جباية الخراج ، وأخذ الصدقة فعلى وجهين .
وله طلب الرزق لنفسه وأمنائه وخلفائه مع الحاجة ، فأما مع عدمها فعلى وجهين .
فصل
( وإذا ثبتت الولاية وكانت عامة ) أي : لم تقيد بنوع ( استفاد بها النظر في عشرة أشياء ) كذا في " المحرر " و " الوجيز " ، وزاد عليها واحدا : وهو جباية الخراج ، وفي " الفروع " و " الزكاة " . وقال في " التبصرة " : والاحتساب على الباعة والمشترين وإلزامهم بالشرع .
وقال الشيخ تقي الدين : ما يستفيده بالولاية لا حد له شرعا ، بل يتلقى من اللفظ والأحوال والعرف .
( فصل الخصومات ، واستيفاء الحق ممن هو عليه ودفعه إلى ربه ) لأن المقصود من القضاء ذلك ، ولهذا قال أحمد : أتذهب حقوق الناس ؛ ! ( والنظر في أموال اليتامى والمجانين والسفهاء ) لأن بعضهم مختص بنظر الحاكم وهو السفيه ، وبعضهم هو بين أن لا يكون له ولي فترك نظره في ماله يؤدي إلى ضياعه ، وبين أن يكون له ولي فترك نظره في حال الولي يؤدي إلى طمعه في مال موليه ، وفي ذلك ضرر عليه ( والحجر على من يرى الحجر عليه لسفه أو فلس ) [ ص: 12 ] لأن الحجر يفتقر إلى نظر واجتهاد ، فلذلك كان مختصا به . ( والنظر في الوقوف في عمله بإجرائها على شرط الواقف ) لأن الضرورة تدعو إلى إجرائها على شروطها سواء أكان لها ناظر خاص ، أو لم يكن . ( وتنفيذ الوصايا ) لأن الميت محتاج إلى ذلك ، وليس ذلك لغيره . ( وتزويج النساء اللاتي لا ولي لهن ) لقوله - عليه السلام - : فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له والقاضي نائبه . ( وإقامة الحدود ) لأنه - عليه السلام - كان يقيمها والخلفاء من بعده . ( وإقامة الجمعة ) والعيد ، ذكره في " المستوعب " و " الرعاية " و " الفروع " ما لم يخصا بإمام من جهة السلطان أو الواقف ، ذكره ابن حمدان ، ولأن الخلفاء كانوا يقيمونهما . ( والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن طريق المسلمين وأفنيتهم ) لأنه مرصد للمصالح . ( وتصفح حال شهوده وأمنائه ، والاستبدال بمن ثبت جرحه منهم ) لأن العادة في القضاء توليها ، فعند إطلاق الولاية تنصرف إلى ما جرت به العادة . ( فأما جباية الخراج وأخذ الصدقة ) إذا لم يخصا بعامل ، قاله في " الوجيز " تبعا لأبي الخطاب . ( فعلى وجهين ) :
أحدهما : يدخلان قياسا على سائر الخصال .
الثاني : لا ؛ لأن العادة لم تثبت بتولي القضاء لهما ، والأصل عدم ذلك . وقيل : في الخراج .
ونقل أبو طالب : أمير البلد إنما هو مسلط على الأدب ، وليس إليه [ ص: 13 ] المواريث والوصايا والفروج والحدود والرحم ، إنما ذلك للقاضي ، فظهر الفرق بينهما .
وعلم مما تقدم أنه لا يسمع بينة في غير عمله ، وهو محل حكمه ، وتجب إعادة الشهادة لتعديلها ( ولهطلب الرزق لنفسه وأمنائه وخلفائه مع الحاجة ) ورخص فيه أكثر العلماء ؛ لأن عمر رزق شريحا في كل شهر مائة درهم ، ورزق nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود نصف شاة كل يوم ، وإذا جاز له الطلب لنفسه جاز لمن هو في معناه .
وقال أحمد : لا يعجبني أن يأخذ على القضاء أجرا ، وإن كان فبقدر عمله ، مثل مال اليتيم . وكان nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود يكره الأجرة على القضاء ، ولا يأخذ عليه أجرا . ( فأما مع عدمها فعلى وجهين ) .
أما الجواز ؛ لأن أبا بكر لما ولي الخلافة فرضوا له كل يوم درهمين . وفرض عمر لزيد وغيره ، وأمر بفرض الرزق لمن تولى من القضاة ، ولأنه لو لم يجز فرض الرزق لتعطلت وضاعت الحقوق .
والثاني : لا يجوز ؛ لأنه يختص أن يكون فاعله من أهل القربة ، فلم يجز أخذ الأجرة عليه كالصلاة ، فأما الاستئجار عليه فلا يجوز ، فإن عمر قال : لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا .
قال في " المغني " : لا نعلم فيه خلافا ؛ لأنه يختص أن يكون فاعله من أهل [ ص: 14 ] القربة ولا يعمله الإنسان عن غيره ، وإنما يقع عن نفسه كالصلاة ، فإن لم يكن له رزق وليس له ما يكفيه وقال للخصمين : لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي جعلا ، جاز . وقيل : لا . تنبيه : لا يجوز أن يقلد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه ، لا نعلم فيه خلافا ؛ لأنه مأمور بالحكم بالحق ، والحق لا يتعين في مذهب بعينه . وفي فساد التولية وجهان ، كالشرط الفاسد في البيع . وإن أمره أن يحكم به وحده صح ، وله أن يحكم بمذهب إمام غيره ، ومذهب غير من ولاه إن قوي عنده دليله ، وقيل : لا . وللإمام تولية القضاء في بلده وفي غيره . وإن أذن له أن يستنيب صح ، وإن نهاه فلا ، وإن أطلق فظاهر كلام أحمد ، وجزم به في " المستوعب " ، وقدم في " الشرح " الجواز . وقيل : له ذلك فيما لا يباشره مثله عرفا أو يشق ، فإن استخلف في موضع ليس الاستخلاف ، فحكمه حكم من لم يول . وتشترط أهلية النائب لما تولاه .