فصل . وأول ما ينظر فيه أمر المحبسين ، فيبعث ثقة إلى الحبس فيكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبسه في رقعة منفردة ، ثم ينادي في البلد أن القاضي ينظر في أمر المحبسين غدا ، فمن له منهم خصم فليحضر فإذا كان الغد ، وحضر القاضي أحضر رقعة ، فقال : هذه رقعة فلان بن فلان ، فمن خصمه ؛ فإن حضر خصمه نظر بينهما وإن كان حبس في تهمة أو افتئات على القاضي قبله ، خلى سبيله . وإن لم يحضر له خصم ، وقال : حبست ظلما ، ولا حق علي ، ولا خصم لي . نادى بذلك ثلاثا ، فإن حضر له خصم ، وإلا أحلفه وخلى سبيله .
فصل . ( وأول من ينظر فيه أمر المحبسين ) لأن الحبس عذاب ، وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه ، فاستحب البداءة بهم . ( فيبعث ثقة إلى الحبس فيكتب اسم كل محبوس ومن حبسه وفيم حبسه في رقعة منفردة ) لأن ذلك طريق إلى معرفة الحال على ما هي عليه ، ولئلا يتكرر بكتابته في رقعة واحدة النظر في حال الأول منها فالأول ، بل يخرج واحدة منها بالاتفاق كما في القرعة . ( ثم ينادي في البلد أن القاضي ينظر في أمر المحبوسين غدا فمن له فيهم خصم فليحضر ) كذا ذكره في " الكافي " و " المحرر " و " المستوعب " و " الرعاية " لأن في ذلك إعلاما بيوم جلوس القاضي . وفي " الشرح " : أن القاضي يأمر مناديا ينادي في البلد بذلك ثلاثة أيام ، وأنه يجعل الرقاع بين يديه فيمد يده إليها فما رفع في يده منها نظر إلى اسم [ ص: 46 ] المحبوس ، وقيل : يخصه بقرعة . ( فإذا كان الغد وحضر القاضي أحضر رقعة ، فقال : هذه رقعة فلان بن فلان فمن خصمه ؛ ) لأنه لا يمكنه الحكم إلا بذلك . ( فإن حضر خصمه نظر بينهما ) لأنه لذلك ولي ، ولا يسأل خصمه لم حبسته ، لأن الظاهر أن الحاكم إنما حبسه لحق ترتب عليه ، ولكن يسأل المحبوس لم حبست ؛ فإن قال : جئت بحق أمره بقضائه . طلبه وخصمه ، فإن أبى وله موجود قضاه منه أو من ثمنه ، إن لم يكن كالمدعى به . وفي " الشرح " : قال له القاضي : اقضه وإلا رددتك إلى الحبس . فإن ادعى عجزا وكذبه خصمه ، أو عرف له مال ولا بينة تشهد بتلفه أو نفاده أو عجزه أو عسرته ، أعيد حبسه إن طلبه غريمه ، فإن لم يقضه قضاه الحاكم من موجوده أو ثمنه ، فإن تعذر أعيد حبسه بطلب غريمه . وقيل : إن حلف خصمه أنه قادر حبسه . وإلا حلف المنكر على التلف والإعسار ، وخلي كمن لم يعرف له مال . وإن صدقه غريمه في عجزه وإعساره ، أو ثبت بينة أطلق بلا يمين . قدمه في " المستوعب " و " الرعاية " ، وقيل : يحلف مع البينة ; لأنها تشهد بالظاهر ، ويحتمل أن يكون له مال لا يعلمه . وإن أقام خصمه بينة بأن له ملكا معينا ، فقال : هو لزيد . فكذبه زيد ، بيع في الدين ; لأن إقراره سقط بإكذابه . وكذا إن صدقه زيد ولم يكن له بينة ، ذكره القاضي لأن البينة شهدت لصاحب اليد بالملك ، فتضمنت شهادتها وجوب القضاء منه ، فإذا لم تقبل شهادتها في حق نفسه قبلت فيما تضمنته ; لأنها حق غيره ، ولأنه متهم في إقراره لغيره . وفيه وجه يثبت الإقرار ويسقط البينة ; لأنها تشهد بالملك لمن لا يدعيه [ ص: 47 ] وينكره . فإن صدقه زيد وله بينة فهو له ; لأن بينته قويت بإقرار صاحب اليد . وإن علم رب الدين عسرته حرم عليه حبسه ، ووجب إنظاره إلى يسرته . ( وإن كان حبس في تهمة أو افتئات على القاضي قبله خلى سبيله ) ذكره في " الشرح " و " المستوعب " و " الوجيز " ، لأن بقاءه فيه ظلم ، ولأن المقصود التأديب ، وقد حصل . وفي " المحرر " و " الرعاية " و " الفروع " : أن الحاكم إن شاء خلاه ، وإن شاء أبقاه بقدر ما يرى ، فإطلاقه بإذنه ولو في قضاء دين ونفقة ، فيرجع ، ووضع ميزاب بناء وغيره وأمره بإراقة نبيذ ، ذكره في " الأحكام السلطانية " وقرعته وإطلاق محبوس ، ذكره في " الرعاية " حكم يرفع الخلاف إن كان . ومثله : تقدير مدة حبسه ، والمراد إذا لم يأمر ولم يأذن بحبسه . تنبيه : إذا قال : حبست لتعديل البينة . أعيد حبسه في الأصح ، إن طلبه خصمه وكان الأول قد حكم به ، وإلا نادى أنه حكم بإطلاقه . وكذا إن قلنا : لا يحبس في ذلك وصدقه خصمه . فإن قال الخصم : الحاكم قد عرف عدالة شهودي وحكم عليه بالحق . قبل قوله . وإن قال : حبست لتكميل البينة . فهو كما لو قال : حبست لتعديلها . وإن قال : حبست في ثمن كلب أو خمر أرقته لذمي . وصدقه خصمه أطلقه . وفيه وجه : أن الثاني ينفذ حكم الأول ; لأنه ليس له نقض حكم غيره باجتهاده . وفيه وجه : يتوقف ويجتهد في المصالحة بينهما بشيء . وإن قال خصمه : حبست بحق غير هذا . صدق للظاهر . وإن قال : خصمي غائب ووكيله ، وأنا مظلوم . كتب إليه ليحضر هو أو وكيله ، وإن تأخر بلا عذر ولم يجد من يحاكمه أطلق . ويحتمل أن يطلق [ ص: 48 ] مطلقا كما لو جهل مكانه . والأولى أن يضمن عليه ويطلق ، فإن تعذر الكفيل أطلقه إذا أيس من خصم له وكفيل . ( وإن لم يحضر له خصم ، وقال : حبست ظلما ، ولا حق علي ولا خصم لي . نادى بذلك ثلاثا فإن حضر له خصم ) نظر بينهما . ( وإلا أحلفه وخلى سبيله ) ذكره معظم الأصحاب ; لأن الظاهر أنه لو كان له خصم لظهر . وفي " الرعاية " : وقيل : ثلاثة أيام . تنبيه : فعله حكم ، كتزويج يتيمة ، وشراء عين غائبة ، وعقد نكاح بلا ولي ، ذكره المؤلف في الأخيرة ، وذكر الشيخ تقي الدين أنه أصح الوجهين . وذكر الأزجي فيمن أقر لزيد فلم يصدقه ، وقلنا يأخذه الحاكم ، ثم ادعاه المقر لم يصح ; لأن قبض الحاكم بمنزلة الحكم بزوال ملكه . وفي " التعليق " و " المحرر " : فعله حكم إن حكم به هو أو غيره وفاقا لفتياه ، فإذا قال : حكمت بصحته . نفذ حكمه باتفاق الأئمة . وسبق كلام الشيخ تقي الدين : الحاكم ليس هو الفاسخ ، وإنما يأذن أو يحكم به ، فمتى أذن أو حكم لأحد باستحقاق عقد أو فسخ لم يحتج بعد ذلك إلى حكم بصحته ، لكن لو عقد هو أو فسخ فهو فعله . وهل فعله حكم ؛ فيه الخلاف المشهور . مسائل : حكمه بشيء حكم بلازمه ، ذكره الأصحاب في أحكام [ ص: 49 ] مفقود . وثبوت شيء عنده ليس حكما به على ما ذكروه في صفة السجل . وتنفيذ الحكم يتضمن الحكم بصحة الحكم المنفذ ، قاله شيخنا ابن نصر الله . وفي كلام الأصحاب ما يدل على أنه حكم ، وفي كلام بعضهم أنه عمل بالحكم وإجازة له وإمضاء ، كتنفيذ الوصية .