وإن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بينة حكم بها ، ولم تكن اليمين مزيلة للحق . وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر ، قال له القاضي : إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا ، وقضيت عليك . وقيل يحبسه حتى يجيب . وإن قال : لي مخرج مما ادعاه . لم يكن مجيبا . وإن قال : لي حساب أريد أن أنظر فيه . لم يلزم الداعي إنظاره . وإن قال : قد قضيته ، أو أبرأني ، ولي بينة بالقضاء أو الإبراء ، وسأل الإنظار ، أنظر ثلاثا . وللمدعي ملازمته فإن عجز ، حلف المدعي على نفي ما ادعاه واستحق ، وإن ادعى عليه عينا في يده فأقر بها لغيره جعل الخصم فيها ، وهل يحلف المدعى عليه ؛ على وجهين .
فإن كان المقر له حاضرا مكلفا سئل فإن ادعاها لنفسه ولم تكن بينة حلف وأخذها . وإن أقر بها للمدعي ، سلمت إليه . وإن قال : ليست لي ولا أعلم لمن هي . سلمت إلى المدعي ، في أحد الوجهين . في الآخر : لا تسلم إليه إلا ببينة ، ويجعلها الحاكم عند أمين . وإن أقر بها لغائب ، أو صبي ، أو مجنون سقطت عنه الدعوى . ثم إن كان للمدعي بينة ، سلمت إليه . وهل يحلف ؛ على وجهين . وإن لم يكن له بينة ، حلف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمها إليه ، وأقرت في يده إلا أن يقيم بينة أنها لمن سمى ، فلا يحلف وإن أقر بها لمجهول ، قيل له : إما أن تعرفه ، وإما أن نجعلك ناكلا .
( وإن حلف المنكر ثم أحضر المدعي بينة حكم بها ، ولم تكن اليمين مزيلة للحق ) وفاقا لقول عمر : [ ص: 69 ] البينة الصادقة أحب إلي من اليمين الفاجرة . ولأن كل حالة يجب عليه الحق فيها بإقراره يجب عليه بالبينة كما قبل اليمين ، ولأن اليمين لو أزالت الحق لاجترأ الفسقة على أخذ أموال الناس . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى وداود : لا تسمع بينته . ورد بما سبق . ( وإن سكت المدعى عليه فلم يقر ولم ينكر ) أو قال : لا أقر ، ولا أنكر . أو قال : أعلم قدر حقه . قاله في " عيون المسائل " و " المنتخب " . ( قال له القاضي : إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك ) قدمه في " المحرر " و " الرعاية " ، وذكر ابن المنجا أنه المذهب ، وجزم به في " الوجيز " ، لأنه ناكل عما توجب عليه فيه ، فيحكم عليه بالنكول عنه ، كاليمين . والجامع بينهما : أن كل واحد من القولين طريق إلى ظهور الحق . ويسن تكراره من الحاكم ثلاثا ، ذكره في " الكافي " و " المستوعب " ، وفي " المحرر " و " الوجيز " كاملين ، وقدم في " الرعاية " بقوله : مرة . ( وقيل يحبسه حتى يجيب ) إن لم يكن للمدعي بينة ، قاله القاضي ، وقدمه السامري ; لأن اليمين حق عليه ، كما لو أقر بمال وامتنع من أدائه . فإن كان للمدعي بينة قضي بها وجها واحدا . ( وإن قال : لي مخرج مما ادعاه . لم يكن مجيبا ) لأن الجواب إقرار أو إنكار ، وهذا ليس واحدا منهما . ( وإن قال : لي حساب أريد أن أنظر فيه . لم يلزم الداعي إنظاره ) اختاره أبو الخطاب والسامري ، وقدمه في " الرعاية " لما فيه من تأخير حقه ، ولأن حق الجواب ثبت له مالا فلم يلزمه إنظاره ، كما لو ثبت عليه الدين ، والأصح أنه يلزمه إنظاره ثلاثة أيام ; لأنه يحتاج إلى ذلك لمعرفة قدر دينه ، أو يعلم هل عليه شيء أم لا ؛ والثلاث : مدة يسيرة ، ولا يمهل أكثر منها ; لأنه كثير . ( وإن قال : قد قضيته ، أو أبرأني ، ولي بينة بالإبراء أو القضاء . وسأل [ ص: 70 ] الإنظار ، أنظر ثلاثا ) لأنها قريبة ، ولا تتكامل في أقل منها . وقيل : لا يلزم إنظاره ; لقوله : لي بينة بدفع دعواه . وعلى الأول . ( وللمدعي ملازمته ) لأن جنبته أقوى ، لأن حقه قد توجه عليه ، ودعوى الإسقاط الأصل عدمها ، وكيلا يهرب أو يغيب . ولا يؤخر الحق عن المدة التي أنظر فيها . ( فإن عجز ، حلف المدعي على نفي ما ادعاه واستحق ) لأنه يصير منكرا ، واليمين على المنكر ، فإن نكل عنها قضى عليه بنكوله وصرف . وإن قلنا : برد اليمين فله تحليف خصمه ، فإن أبى حكم عليه . هذا كله إن لم يكن أنكر سبب الحق ، أتى ، فأما إن أنكره ثم ادعى قضاء أو إبراء سابقا لإنكاره لم يسمع منه ، وإن أتى ببينة ، نص عليه . وقيل : تسمع البينة . ذكره في " المحرر " و " الرعاية " ، وزاد : بأن قال : قتلت دابتي ، فلي عليك ثمنها ألف . فقال : لا تلزمني ، أو لا يستحقه علي شيئا منه . فقد أجاب ، وإن اعترف بالقتل احتاج إلى مسقط .
ولو قال : لي عليك مائة دينار . قال : بل ألف درهم . فما أجاب ، ويلزمه الألف إن صدقه المدعي ، ودعوى الذهب باقية ، نص عليه . ( وإن ادعى عليه عينا في يده فأقر بها لغيره جعل الخصم فيها ) وكان صاحب اليد ; لأن من في يده العين اعترف أن يده نائبة عن يده ، وإقرار الإنسان بما في يده إقرار صحيح . ( وهل يحلف المدعى عليه ؛ على وجهين ) : [ ص: 71 ] أحدهما : يحلف أنه لا يعلم أنها للمدعي ، قدمه في " الشرح " ، وجزم به في " الكافي " و " الوجيز " ، لأنه لو أقر له بها لزمه غرمها ، كما لو قال : هذه العين لزيد . ثم قال : هي لعمر . فإنها تدفع إلى زيد ويغرم قيمتها لعمر . ومن لزمه الغرم مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار .
فعلى هذا إن نكل عنها مع طلبها أخذ منه بدلها ، ثم إن صدقه المقر له فهو كأحد مدعيين على ثالث ، أقر له الثالث وسيأتي .
والثاني : لا يحلف ; لأن الخصومة انقلبت إلى غيره فوجب أن تنتقل اليمين إلى ذلك الغير . مسألة : قال ابن حمدان : من أقر بعين أو دين لزيد فكذبه ، صدق به عن ربه مضمونا له إذا علم بعد . وإن بان أنه لزيد لم يسقط حقه بإنكاره جهلا ، ويغرمه المقر . وفيه احتمال . ( فإن كان المقر له حاضرا مكلفا سئل ) ليتبين الحال . ( فإن ادعاها لنفسه ولم تكن بينة حلف وأخذها ) لأنه كالمدعى عليه ، وقد أنكر ، فيحلف ويأخذ العين ; لأنه ظهر كونها له بإقرار من العين في يده ، واندفعت خصومة المدعي ، فوجب الأخذ عملا بالمقتضى . ( وإن أقر بها للمدعي ، سلمت إليه ) لأن اليد صارت للمقر له أشبه ما لو ادعى شخص فأقر بها له . ( وإن قال : ليست لي ) أو قال ذلك المدعى عليه ابتداء . ( ولا أعلم لمن هي . سلمت إلى المدعي في أحد الوجهين ) قدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ، وذكر في " الشرح " : أنه أولى ، فتسلم إليه بلا بينة ; لأنه لا منازع له فيها أشبه التي بيده ، ولأن [ ص: 72 ] صاحب اليد لو ادعاها ثم نكل ، قضي عليه بها للمدعي ، فمع عدم ادعائه أولى . فإن كانا اثنين اقترعا عليها . ( وفي الآخر : لا تسلم إليه إلا ببينة ) تشهد بذلك ; لأنه لم يثبت أنه مستحقها . ( ويجعلها الحاكم عند أمين ) كمال ضائع . ويتخرج أن يحلف المدعي أنها له ، وتسلم إليه بناء على القول برد اليمين إذا نكل المدعى عليه . وقيل : يقر بيد المدعى عليه . وهو المذهب ، قاله في " المحرر " . ( وإن أقر بها لغائب ، أو صبي ، أو مجنون سقطت عنه الدعوى ) لأن الدعوى صارت على غيره ، ويصير الغائب والولي خصمين إن صدقا ، وحلف المدعى عليه للمدعي ، قاله في " الرعاية " . ( ثم إن كان للمدعي بينة سلمت إليه ) لأن جانبه قد ترجح بها . ( وهل يحلف ) معها ؛ ( على وجهين ) هما روايتان :
إحداهما : لا يحلف ، جزم بها في " الوجيز " ، وهي أشهر ; لأن البينة وحدها كافية للخبر . والثانية : بلى ، لأن الغائب والصغير والمجنون لا يقوم منهم واحد بالحجة ، فاحتيج إلى اليمين لتأكيد البينة . وقيل : إن جعل قضاء على غائب أخذها وحلف ، وإلا فلا . وفي " الرعاية " : أنه إذا حضر الغائب وأقام بينة أنها له تعارضتا ، وأقرت بيد المدعي إن قدمنا بينة الخارج ، وإلا فهي للغائب . ( وإن لم يكن له بينة ) لم يقض له بها ، ويوقف الأمر حتى يقدم الغائب ويصير غير المكلف مكلفا ، فتكون الخصومة له . ( حلف المدعى عليه أنه لا يلزمه تسليمها إليه ) لأنه لو أقر لزمه الدفع ، ومن لزمه الدفع مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار . ( وأقرت في يده ) لأن المدعي اندفعت دعواه باليمين . وفي " الشرح " : إذا قال المدعي : [ ص: 73 ] أحلفوا المدعى عليه . أحلفناه ، وتقر العين في يده ، ولو نكل عن اليمين غرم بدلها .
وقال ابن حمدان : بل تكون عند أمين الحاكم حتى يأخذها المقر له .
فإن كان المدعي اثنين غرم عوضين لهما . وفي " الشرح " : متى عاد المقر بها لغيره فادعاها لنفسه لم تسمع ; لأنه أقر بأنه لا يملكها ، فلا يسمع منه الرجوع بعد إقراره . ( إلا أن يقيم بينة أنها لمن سمى ، فلا يحلف ) أي : إذا أقام المدعى عليه بينة أنها لمن سماه ، سمعها الحاكم لزوال التهمة عن الحاضر ، وسقوط اليمين عنه ، ولم يقض بها ; لأن البينة للغائب ، والغائب لم يدعها هو ولا وكيله . ويتخرج أن يقضي بها ، إذا قلنا بتقديم بينة الداخل ، وإن للمودع المحاكمة في الوديعة إذا غصبت . واقتصر في " الرعاية " على حكاية هذا التخريج فقط .
فرع : إذا ادعى من هي بيده أنها معه بإجارة أو عارية ، وأقام بينة بالملك للغائب ، لم يقض بها . ويتخرج على ما قلناه . وذكر في " الرعاية " : أنه إن ثبت ذلك ، وقلنا لهما : المحاكمة . ثبت الملك . ( وإن أقر بها لمجهول ، قيل له : إما أن تعرفه ، وإما أن نجعلك ناكلا ) ونقضي عليك . لأنه لا يمكن الدعوى على مجهول ، فيضيع الحق بإقراره هذا . فإن ادعاها لنفسه لم تسمع في الأشهر .