وتعتبر في البينة العدالة ظاهرا وباطنا ، في اختيار أبي بكر والقاضي . وعنه : تقبل شهادة كل مسلم لم تظهر منه ريبة . اختاره الخرقي . وإن جهل إسلامه ، رجع إلى قوله ، والعمل على الأول . وإذا علم الحاكم عدالتهما عمل بعلمه وحكم بشهادتهما ، إلا أن يرتاب بهما ، فيفرقهما . ويسأل كل واحد : كيف تحملت الشهادة ؛ ومتى ؛ وفي أي موضع ؛ وهل كنت وحدك ؛ أو أنت وصاحبك ؛ فإن اختلفا لم يقبلهما ، وإن اتفقا وعظهما وخوفهما فإن ثبتا حكم بهما إذا سأله المدعي . وإن جرحهما المشهود عليه ، كلف البينة بالجرح . فإن سأل الإنظار ، أنظر ثلاثا . وللمدعي ملازمته ، فإن لم يقم بينة حكم عليه . ولا يسمع الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة ، إما أن يراه أو يستفيض عنه . وعنه : أنه يكفي أن يشهد أنه فاسق وليس بعدل .
فصل .
( وتعتبر في البينة العدالة ظاهرا وباطنا ، في اختيار أبي بكر والقاضي ) قدمه في " الرعاية " و " الكافي " ، وذكر أنه ظاهر المذهب ونصره في " الشرح " . وذكر في " المحرر " : أنه اختيار الخرقي ، لقوله تعالى : إن جاءكم فاسق [ الحجرات : 6 ] ، ولقوله - عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340941لا تقبل شهادة خائن ولا خائنة ، ولا ذي غمر على أخيه ، ولا محدود في الإسلام . وسواء طعن الخصم فيه أو لا ، لأن العدالة شرط فيجب العمل بها ، كالإسلام . فعلى هذا يكتب اسمه ونسبه ، وكنيته وحليته ، وصنعته وسوقه ، ومسكنه ، ومن شهد له وعليه ، وما شهد به ، في رقاع ويدفعها إلى أصحاب مسائله الذين يعرفونه حال من جهل عدالته ، من غير شحناء ولا عصبية ، ويجتهد أن لا يعرفهم المشهود ، ولا المشهود عليه ، ولا المسؤولين ، ويدفع إلى كل واحد رقعة ، ولا يعلم بعضهم ببعض ليسألوا عنه ، فإن رجعوا بتعديله قبله من اثنين منهم . قدمه في " الشرح " ، ورجحه في " الرعاية " ، ويشهدان بلفظ الشهادة .
وقيل : لا يقبل إلا شهادة المسؤولين ; لأنهم شهود أصل . فإن قالا : نشهد أنه عدل . ولم يبينا سببه ، فوجهان . ( وعنه : تقبل شهادة كل مسلم لم تظهر منه ريبة ) وهو قول الحسن . ( اختاره الخرقي ) وأبو بكر وصاحب " الروضة " [ ص: 81 ] لقبول النبي - صلى الله عليه وسلم - شهادة الأعرابي برؤية الهلال . ولقول عمر : " المسلمون عدول " . ولأن العدالة أمر خفي سببها الخوف من الله - تعالى - ، ودليل ذلك الإسلام . فإذا وجد فليكتف به ، ما لم يقم دليل على خلافه . فعلى هذه ، ( إن جهل إسلامه رجع إلى قوله ) لأنه إن لم يكن مسلما صار مسلما بالاعتراف . ولا يكفي ظاهر الدار ، ذكره الأصحاب . وفي جهل حريته المعتبرة وجهان :
أحدهما : لا بد من معرفة ذلك ، جزم به في " الشرح " .
وقولهم : إن ظاهر المسلم العدالة ممنوع ، بل الظاهر عكس ذلك ، وقول عمر معارض بما روي عنه أنه أتي بشاهدين ، فقال لهما : لست أعرفكما ، ولا يضركما إن لم أعرفكما . ولأن الأعرابي قد صار صحابيا وهم عدول كلهم . ( وإذا علم الحاكم عدالتهما عمل بعلمه ) في عدالة البينة ; لأنه لو لم يكتف بذلك لتسلسل ، لأن المزكي يحتاج إلى عدالتهما ، فإذا لم يعمل بعلمه احتاج كل واحد من المزكين ، ثم كل واحد ممن يزكيهما إلى مزكين إلى ما لا نهاية له ، وعكسه بعكسه . ( وحكم بشهادتهما ) لأن شروط الحكم قد وجدت . ( إلا أن يرتاب بهما ) فإنه يلزم سؤالهما ، والبحث عن صفة تحملهما وغيره . ( فيفرقهما ) استحبابا ، [ ص: 82 ] صرح به في " المحرر " و " الكافي " و " الوجيز " ، وعبارة السامري وابن حمدان كالتي قبلها . ( ويسأل كل واحد : كيف تحملت الشهادة ؛ ومتى ؛ وفي أي موضع ؛ وهل كنت وحدك ؛ أو أنت وصاحبك ؛ ) .
لما روي عن علي أن سبعة خرجوا ، ففقد واحد منهم ، فأتت زوجته عليا ، فدعا الستة ، فسأل واحدا منهم فأنكر ، فقال : الله أكبر . فظن الباقون أنه قد اعترف ، فاستدعاهم فاعترفوا ، فقال للأول : قد شهدوا عليك . فاعترف ، فقتلهم . ( فإن اختلفا لم يقبلهما ) ذكره الأصحاب ، لأنه ظهر له ما يمنع قبولها .
وقال في " المستوعب " : يوقف عن قبولها . قدمه في " الرعاية " . وفي " الشرح " : سقطت شهادتهما . ( وإن اتفقا وعظهما وخوفهما ) لأن ذلك سبب لتوقفهما بتقدير كونهما شاهدي زور . ( فإن ثبتا ) على قولهما . ( حكم بها إذا سأله المدعي ) لأن الشرط ثبات الشاهدين على شهادتهما إلى حين الحكم ، وطلب المدعي الحكم ، وقد وجد ذلك كله . ويستحب أن يقول للمنكر : قد قبلتهما ، فإن جرحتهما ، وإلا حكمت عليك . ذكره السامري . ( وإن جرحهما المشهود عليه كلف البينة بالجرح ) ليتحقق صدقه أو كذبه . ( وإن سأل الإنظار ، أنظر ثلاثا ) ذكره في " الكافي " و " المستوعب " و " الوجيز " ، وصححه في " الرعاية " ; لأن تكليفه إقامتها في أقل من ذلك يشق ويعسر . فإن أقام المدعى عليه بينة أنهما شهدا عند قاض بذلك فردت شهادتهما لفسقهما ، بطلت شهادتهما ; لأن الشهادة إذا ردت لفسق [ ص: 83 ] لم تقبل مرة ثانية .
قال أحمد : ينبغي للقاضي أن يسأل عن شهوده كل قليل . وهل هو مستحب أو واجب ؛ فيه وجهان . ( وللمدعي ملازمته ) لأن حقه قد توجه ، والمدعى عليه يدعي ما يسقطه ، والأصل عدمه . ( فإن لم يقم بينة حكم عليه ) لأن الحق قد وضح على وجه لا إشكال فيه . ( ولا يسمع الجرح إلا مفسرا بما يقدح في العدالة ، إما أن يراه أو يستفيض عنه ) قدمه في " المستوعب " و " المحرر " و " الرعاية " ، وذكر في " الكافي " أنه المذهب . ونصره في " الشرح " ، وجزم به في " الوجيز " ; لأن الناس يختلفون في أسباب الجرح كاختلافهم في شارب يسير النبيذ ، فوجب أن لا يقبل مجرد الجرح ; لئلا يجرحه بما لا يراه القاضي جرحا . وفي الاستفاضة وجه ، كتزكية . ( وعنه : أنه يكفي أن يشهد أنه فاسق وليس بعدل ) كالتعديل في الأصح . لأن التصريح بالسبب يجعل الجارح فاسقا ، فوجب عليه الحد في بعض الحالات . وجوابه : بأنه يمكنه التعريض .
وقيل : إن اتحد مذهب الجارح والحاكم ، أو عرف الجارح أسباب الجرح قبل إجماله ، وإلا فلا . [ ص: 84 ] وفي " المحرر " : المبين أن يذكر ما يقدح في العدالة . والمطلق أن يقول : هو فاسق . وقال القاضي : هو المبين والمطلق ، أن يقول : الله أعلم به ، ونحوه ، ولا يكفي قوله : بلغني عنك كذا ; لقوله تعالى إلا من شهد بالحق وهم يعلمون [ الزخرف : 86 ] .
فرع : إذا صرح الجارح بقذفه بالزنا ، فعليه الحد إن لم يأت بتمام أربعة شهداء . ولا يقبل فيه ولا في التعديل شهادة النساء . وعنه : بلى ، كالرواية وأخبار الديانات .
وجوابه : بأنها شهادة فيما ليس بمال ولا يقصد به المال ، ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال ، أشبه الشهادة في القصاص . ولا يقبل الجرح من الخصم بغير خلاف . مسألة : لا تقبل شهادة المتوسمين ، وذلك إذا حضر شاهدان مسافران فشهدا عند حاكم لا يعرفهما ، كشاهدي الحضر .