وهل يحلف المدعي أنه لم يبرأ منه ؛ ولا من شيء منه ؛ على روايتين .
ثم إذا قدم الغائب ، وبلغ الصبي ، أو أفاق المجنون فهو على حجته . وإن كان الخصم في البلد غائبا عن المجلس لم تسمع البينة حتى يحضر . فإن امتنع عن الحضور ، سمعت البينة وحكم بها ، في إحدى الروايتين ، والأخرى لا تسمع حتى يحضر . فإن أبى ، بعث إلى صاحب الشرطة ليحضره . فإن تكرر منه الاستتار ، أقعد على بابه من يضيق عليه في دخوله وخروجه حتى يحضر . وإن ادعى أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب وله مال في يد فلان أو دين عليه ، فأقر عليه ، أو ثبتت ببينة سلم إلى المدعي نصيبه ، وأخذ الحاكم نصيب الغائب فيحفظه له . ويحتمل أنه إذا كان المال دينا أن يترك نصيب الغائب في ذمة الغريم حتى يقدم . وإن ادعى إنسان أن الحاكم حكم له بحق فصدقه ، قبل قول الحاكم وحده . وإن لم يذكر الحاكم ذلك ، فشهد عدلان أنه حكم له به قبل شهادتهما وأمضى القضاء ، وكذلك إن شهدا أن فلانا وفلانا شهدا عندك بكذا ، قبل شهادتهما . وإن لم يشهد به أحد ، لكن وجده في قمطره تحت ختمه بخطه فهل ينفذه ؛ على روايتين . وكذلك الشاهد إذا رأى خطه في كتاب بشهادة ولم يذكرها ، فهل له أن يشهد بها ؛ على روايتين .
فصل .
( وإن ادعى على غائب ) مسافة قصر . ( أو مستتر في البلد ) أو في دون مسافة قصر . ( أو ميت أو صبي أو مجنون ) وعبارة " الفروع " : أو غير مكلف . وهي أحسن . ( وله بينة سمعها الحاكم وحكم بها ) قدمه في " الكافي " و " المحرر " [ ص: 90 ] و " المستوعب " و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ، ونصره في " الشرح " ، واختاره الخلال وصاحبه ، لحكمه - عليه السلام - على أبي سفيان في حديث هند ولم يكن حاضرا ، ولأن عدم سماعها يفضي إلى تأخير الحق مع إمكان استيفائه ، والسماع من أجل الحكم . وليس تقدم الإنكار هنا شرطا . ولو فرض إقراره فهو تقوية لثبوته . قال في " الترغيب " ، وغيره : لا تفتقر البينة إلى جحود ، إذ الغيبة كالسكوت ، والبينة تسمع على ساكت . لكن لو قال : هو معترف ، وأنا أقيم البينة استظهارا . لم تسمع . وقاله الآدمي . وقد علم أن المستتر والميت كالغائب ، بل أولى ; لأن المستتر لا عذر له بخلاف الغائب . وأما الصبي والمجنون فإنهما لا يعبران عن أنفسهما .
وظاهره : أنه إذا لم تكن له بينة لم تسمع دعواه . الفائدة : ولا يقضى على غائب بحق لله ; لأن مبناه على المساهلة . فإن تعلق به حق آدمي كالسرقة قضى بالغرم دون القطع ، وفي حد القاذف وجهان . ( وهل يحلف المدعي أنه لم يبرأ منه ؛ ولا من شيء منه ؛ على روايتين ) :
والثانية : بلى ، قدمها في " المحرر " ، وجزم بها في " الوجيز " وصححها في [ ص: 91 ] " الرعاية " ، وقالها أكثر العلماء ، لأنه يجب الاحتياط ، ولأنه يحتمل أن يكون قضاه أو غير ذلك . وكما لو كان حاضرا فادعى بعض ذلك وطلب اليمين ، ولا يتعرض في يمينه لصدق البينة لكمالها ، بخلاف ما إذا قام شاهدا ، فإنه يحلف معه ولا يلين مع بينة إلا هنا ; لأن فيه طعنا على البينة . وعنه : بلى ، فعله علي . وعنه : مع ريبة ، وليس ببعيد . وعنه : لا يحكم على غائب ونحوه . اختاره ابن أبي موسى . وكان شريح لا يرى القضاء على الغائب . وذكر ابن هبيرة عن أحمد : أنه لا يحكم على غائب بحال ، إلا أن يتعلق الحكم للحاضر ، مثل : أن يكون وكيل الغائب ، أو وصي ، أو جماعة شركاء في شيء فيدعي على أحدهم وهو حاضر ، فيحكم عليه وعلى الغائب . ( ثم إذا قدم الغائب ، وبلغ الصبي ، أو أفاق المجنون فهو على حجته ) لأن المانع إذا زال صار كالحاضر المكلف . فإن قدم الغائب قبل الحكم لم تجب إعادة البينة ، لكن يخبره الحاكم بالحال ويمكنه من الجرح ، فإن جرح البينة بعد أداء الشهادة أو مطلقا لم يقبل ، لجواز كونه بعد الحكم فلا يقدح فيه ، وإلا قبل . ( وإن كان الخصم في البلد غائبا عن المجلس ) أو غائبا عنها دون مسافة القصر غير ممتنع . ( لم تسمع ) الدعوى ولا ( البينة حتى يحضر ) ، لأن حضوره ممكن ، فلم يجز الحكم عليه مع حضوره ، كحاضر مجلس الحكم ، بخلاف الغائب . ( فإن امتنع عن الحضور ، سمعت البينة وحكم بها في إحدى الروايتين ) قدمها في " الفروع " وهي أشهر ، لأنها إذا سمعت على غائب وحكم بها ، فلأن تسمع على الحاضر الممتنع بطريق الأولى ; لأن الحاضر الممتنع لا عذر له . ( والأخرى لا تسمع [ ص: 92 ] حتى يحضر ) لقوله - عليه السلام - : لا يقضي للأول حتى يسمع كلام الثاني . فعلى هذا لو لم يقدر عليه وأصر على الاستتار ، حكم عليه . نص عليه . فإن وجد له مالا وفاه منه . وإلا قال للمدعي : إن عرفت له مالا وثبت عندي ، وفيتك منه . ونقل أبو طالب : يسمعان ، ولكن لا يحكم عليه حتى يحضر . قال في " المحرر " : وهو الأصح . ( فإن أبى ، بعث إلى صاحب الشرطة ليحضره ) فعلى هذا ينفذ من يقول في منزله ثلاثة أيام القاضي يطلبه إلى مجلس الحكم فأخبروه ، ويحرم أن يدخل عليه بيته . لكن صرح في " التبصرة " : إن صح عند الحاكم أنه في منزله ، أمر بالهجوم عليه وإخراجه . ونصه : يحكم بعد ثلاثة أيام . جزم به في " الترغيب " وغيره .
وظاهر نقل الأثرم : يحكم عليه إذا خرج . قال : لأنه قد صار في حرمه ، كمن لجأ إلى الحرم . ( فإن تكرر منه الاستتار ، أقعد على بابه من يضيق عليه في دخوله وخروجه حتى يحضر ) إذ الحاكم يضيق عليه بما يراه حتى يحضر . والحكم للغائب ممتنع .
قال في " الترغيب " : لامتناع سماع البينة له ، والكتابة له إلى قاض آخر ، ليحكم له بكتابه ، بخلاف الحكم عليه . ويصح تبعا . ونبه عليه بقوله : ( وإن ادعى أن أباه مات عنه وعن أخ له غائب ) أو غير رشيد . ( وله مال في يد فلان أو دين عليه ، فأقر ) المدعى ( عليه ، أو ثبت ببينة سلم إلى المدعي نصيبه ، وأخذ الحاكم [ ص: 93 ] نصيب الغائب فيحفظه له ) قدمه في " المحرر " و " الرعاية " و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ، لأن حقه ثبت ، وذلك يوجب تسليم نصيبه إليه . وكذا حكمه بوقف يدخل فيه من لم يخلق تبعا ، وإثبات أحد الوكيلين الوكالة في غيبة الآخر ، فتثبت له تبعا وسؤال أحد الغرماء الحجر كالكل ، وقد سبق .
قال الشيخ تقي الدين : والقضية الواحدة المشتملة على عدد أو أعيان كولد الأبوين في المشركة ، أن الحكم فيها لواحد أو عليه يعمه وغيره ، وحكمه لطبقة حكم للثانية إن كان الشرط واحدا ، ثم من أبدى ما يجوز أن يمنع الأول من الحكم عليه ، فللثاني الدفع به . ( ويحتمل أنه إذا كان المال دينا أن يترك نصيب الغائب ) وغير الرشيد . ( في ذمة الغريم حتى يقدم ) ويرشد الآخر ، لأنه لا يؤمن عليه التلف إذا قبضه . فإن تعذر أخذ الباقي شارك الآخر فيما أخذه . فإذا حضر الغائب ، ورشد الآخر لم تعد الدعوى إلا من جهة غير الإرث . وإن أقام الحاضر الرشيد شاهدا وحلف معه في الإرث ، أخذ حقه . فإذا حضر الغائب ورشد الآخر حلفا بدون إعادة البينة ، إلا في غير الإرث ، ذكره في " الرعاية " .
والأول أولى ; لأنه تعرض التلف بفلس وموت وعزل الحاكم وتعذر البينة ، وكالمنقول . وكما لو أجره صغيرا أو مجنونا ، ثم إذا دفعنا إلى الحاضر نصف العين أو الدين لم يطالبه بضمين ، لأن فيه طعنا على الشهود .
قال الأصحاب : سواء كان الشاهدان من أهل الخبرة الباطنة أو لا .
[ ص: 94 ] ويحتمل أن لا تقبل شهادتهما في نفي وارث آخر ، حتى يكونا من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة .
فعلى هذا : يسأل الحاكم ، ويأمر مناديا ينادي أن فلانا مات ، فإن كان له وارث فليأت ، فإذا غلب على ظنه أنه لو كان له وارث لظهر دفع الحاكم إليه نصيبه .
فرع : إذا كان مع الابن ذو فرض فعلى المذهب : يعطى فرضه كاملا . وعلى الآخر : يعطى اليقين . وإن كانت له زوجة أعطيت ربع الثمن عائلا ، فيكون ربع التسع لجواز أن يكون له أربع زوجات . وإن كانت له جدة وثبت موت أمه أعطيتها ثلث السدس . وتعطاه عائلا فيكون ثلث العشر ، ولا يعطى العصبة شيئا . مسألة : إذا اختلفا في دار في يد أحدهما ، فأقام المدعي بينة أن الدار كانت له أمس ، ملكه ، أو منذ شهر سمعت البينة وقضي بها في الأشهر ، لأنه ثبت الملك في الماضي ، فإذا ثبت استديم حتى يعلم زواله ، ولا تسمع في وجه ، صححه القاضي . لكن إن انضم إلى شهادته بيان سبب يد الثاني ، سمعت وقضي بها . فإن أقر المدعى عليه أن كانت للمدعي أمس ، سمع إقراره في الصحيح وحكم به .
ويفارق البينة من وجهين : أحدهما : أنه أقوى من البينة .
الثاني : أن البينة لا تسمع إلا على ما ادعاه ، والدعوى يجب أن تكون متعلقة بالحال ، والإقرار يسمع ابتداء . ( وإن ادعى إنسان أن الحاكم حكم له [ ص: 95 ] بحق فصدقه ، قبل قول الحاكم وحده ) كما لو أقر خصمه في مجلس الحكم ، فسأل المدعي الحاكم عن إقراره ، فقال : نعم . وليس هذا حكما بعلم ، إنما هو إمضاء الحكم السابق . وقال ابن حمدان : إن منعنا الحكم بعلمه ، فلا . ( وإن لم يذكر الحاكم ذلك ، فشهد عدلان أنه حكم له به قبل شهادتهما وأمضى القضاء ) لقدرته على إمضائه . وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، ومحمد بن الحسن .
وذكر ابن عقيل لا يقبلهما . وهو مروي عن الحنفية والشافعية ; لأنه يمكنه الرجوع إلى العلم والاحتياط فلا يرجع إلى الظن ، كالشاهد إذا نسي شهادته ، فشهد عنده شاهدان أنه شهد ، لم يكن له أن يشهد . وجوابه : أنهما لو شهدا عنده بحكم غيره قبل ، فكذا إذا شهدا عنده بحكمه . وما ذكروه لا يستقيم ; لأن ذكر ما نسيه ليس إليه ، والحاكم يمضي ما حكم به إذا ثبت عنده ، والشاهد لا يقدر على إمضاء شهادته .
ومحل ما ذكره المؤلف ما لم يتيقن صواب نفسه ، فإن تيقنه لم يقبلهما ; لقصة ذي اليدين . ( وكذلك إن شهدا أن فلانا وفلانا شهدا عندك بكذا ، قبل شهادتهما ) كما تقبل شهادتهما على الحق نفسه . ( وإن لم يشهد به أحد ، لكن وجده في قمطره تحت ختمه بخطه ) وتيقنه ، ذكره لأصحاب ولم يذكره . ( فهل ينفذه ؛ على روايتين ) : إحداهما : لا يعمل به ، إلا أن يذكره . نص عليه في الشهادة . [ ص: 96 ] وذكر القاضي وأصحابه : المذهب . وفي " الترغيب " : هو الأشهر . وقدمه في " الرعاية " و " الفروع " ; لأنه حكم حاكم لم يعلمه ، فلم يجز إنفاذه إلا ببينة كحكم غيره . ولأنه يجوز أن يزور عليه ، وعلى خطه وختمه ، وكخط أبيه بحكم أو شهادة ، لم يشهد ولم يحكم بها إجماعا .
والثانية : يحكم به . اختاره في " الترغيب " ، وقدمه في " المحرر " ، وجزم به الآدمي ، وصاحب " الوجيز " .
قال المؤلف : وهذا الذي رأيته عن أحمد في الشاهد ; لأنه إذا كان في قمطره تحت ختمه لم يحتمل إلا أن يكون صحيحا ، إلا احتمالا بعيدا كاحتمال كذب الشاهدين .
والثالثة : ينفذه مطلقا سواء كان في حرزه وحفظه كقمطره ، أو لا .
فإن قلت : لو وجد في دفتر أبيه حقا على إنسان ، جاز أن يدعيه ويحلف عليه . قلنا : هذا يخالف الحكم والشهادة ، بدليل الإجماع على أنه لو وجد خط أبيه بشهادة ، لم يجز أن يحكم بها ولا يشهد بها . ولو وجد حكم أبيه مكتوبا بخطه لم يجز له إنفاذه ، ولأنه يمكنه الرجوع فيما حكم به إلى نفسه ، لأنه فعله فروعي ذلك . وأما ما كتبه أبوه فلا يمكنه الرجوع فيه إلى نفسه ، فيكفي فيه الظن . ( وكذلك الشاهد إذا رأى خطه ) جزما ( في كتاب بشهادة ولم يذكرها ، فهل له أن يشهد [ ص: 97 ] بها ؛ على روايتين ) أي : فيها الخلاف السابق . وعلل في " الشرح " الجواز بأن الظاهر أنها خطه . وفي " الرعاية " : لو ضاع أو انمحى لم يضره ، ولو شهد بخلافه صح .
وفي " الرعاية " : عن المجلس ويقبل خبره في غير عملهما ، أو في عمل أحدهما .
وعند القاضي : لا يقبل ، إلا أن يخبر في عمله حاكما في غير عمله ، فيعمل به إذا بلغ عمله وجاز حكمه بعلمه ، وجزم به في " الترغيب " ، ثم قال : وإن كانا في ولاية المخبر فوجهان .
وفيه إذا قال : سمعت البينة ، فاحكم . لا فائدة فيه مع حياة البينة ، بل عند العجز عنها .