[ ص: 108 ] وإن كتب كتابا وأدرجه وختمه ، وقال : هذا كتابي إلى فلان ، اشهدا علي بما فيه . لم يصح ; لأن أحمد قال فيمن كتب وصية وختمها ثم أشهد على ما فيها : فلا حتى يعلمه ما فيها . ويتخرج الجواز لقوله : إذا وجدت وصية الرجل مكتوبة عند رأسه ، من غير أن يكون أشهد أو أعلم بها أحدا عند موته ، وعرف خطه ، وكان مشهورا ، فإنه ينفذ ما فيها . وعلى هذا إذا عرف المكتوب إليه أنه خط القاضي الكاتب وختمه ، جاز قبوله والعمل على الأول ، فإذا وصل الكتاب ، فأحضر المكتوب إليه الخصم المحكوم عليه في الكتاب ، فقال : لست فلان بن فلان . فالقول قوله مع يمينه ، إلا أن تقوم به بينة . وإن ثبت أنه فلان بن فلان ببينة أو إقرار ، فقال المحكوم عليه : غيري . لم يقبل منه إلا ببينة تشهد أن في البلد من يساويه فيما سمي ووصف به ، فيتوقف حتى يعلم من المحكوم عليه منهما . وإن تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو موت ، لم يقدح في كتابه . وإن تغيرت بفسق لم يقدح فيما حكم به ، وبطل فيما ثبت عنده ليحكم به ، وإذا تغيرت حال المكتوب إليه ، فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به .
فائدة : لا يشترط أن يذكر القاضي الكاتب اسمه في العنوان ، ولا ذكر المكتوب إليه في باطنه .
وقال أبو حنيفة : إذا لم يذكر اسمه لا يقبل ; لأن الكتاب إليه .
ولا يكفي ذكر اسمه في العنوان دون باطنه ; لأن ذلك لم يقع على وجه المخاطبة . ( وإن كتب كتابا وأدرجه وختمه ، وقال : هذا كتابي إلى فلان ، اشهدا علي بما فيه . لم يصح ) قدمه في " المحرر " و " المستوعب " و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ، وهو قول أكثر العلماء ; لأنهما شهدا بمجهول لا يعلمانه ، فلم يصح . كما لو شهدا أن لفلان على فلان مالا . ( لأن أحمد قال فيمن كتب وصية وختمها ثم أشهد على ما فيها : فلا حتى يعلمه بما فيها ) هذا تنبيه على جهة الأصل المستفاد منه الحكم المذكور . ( ويتخرج الجواز ) هذه رواية ، كما لو شهدا ما في هذا الكيس من الدراهم جازت شهادتهما ، وإن لم يعلما قدرها . ( لقوله : إذا وجدت وصية الرجل مكتوبة عند رأسه من غير أن يكون أشهد أو أعلم بها أحدا عند موته ، وعرف خطه ، وكان مشهورا ، فإنه ينفذ ما فيها ) لأنهما سواء في المعنى . فكذا يجب أن يكون حكما . ( وعلى هذا إذا عرف المكتوب إليه أنه خط القاضي الكاتب وختمه ، جاز قبوله ) لأن القبول هنا كتنفيذ الوصية . وقيل : هو على الوجهين . [ ص: 109 ] وقال الشيخ تقي الدين : من عرف خطه بإقرار وإنشاء ، أو عقد أو شهادة ، عمل به كميت . فإن حضر وأنكر مضمونه ، فكاعترافه بالصوت وإنكار مضمونه . وذكر قولا في المذهب : أنه يحكم بخط شاهد ميت . وقال : الخط كاللفظ إذا عرف أنه خطه ، وأنه مذهب جمهور العلماء ، وهو يعرف أن هذا خطه كما يعرف أن هذا صوته . ( والعمل على الأول ) لما تقدم ، فالعمل به أولى .
فرع : إذا ترافع إليه خصمان في غير محل ولايته ، لم يكن له الحكم بينهما بحكم ولايته ، إلا بتراضيهما به . فيكون حكم غير القاضي إذا تراضيا ، وسواء كان الخصمان من أهل عمله أو لم يكونا . ولو ترافع إليه اثنان وهو في موضع ولايته من غير أهل ولايته ، كان له الحكم بينهما . فإن أذن الإمام لقاض أن يحكم بين أهل ولايته حيث كانوا ، أو منعه من الحكم في غير أهل ولايته حيث ما كان ، كان الأمر على ما أذن فيه ، أو منع منه ; لأن الولاية بتوليته ، فكان الحكم على وفقها . ( فإذا وصل الكتاب ، فأحضر المكتوب إليه الخصم المحكوم عليه في الكتاب ، فقال : لست فلان بن فلان . فالقول قوله مع يمينه ) ذكره الأصحاب ، لأنه منكر . وإن نكل قضى عليه بالنكول . وكذا إن رد اليمين ، على الخلاف . ( إلا أن تقوم به بينة ) لأن قوله معارض بالبينة ، وهي راجحة ، فوجب أن لا يقبل قوله ; لأنه مرجوح بالنسبة إليها . ( وإن ثبت أنه فلان بن فلان ببينة أو إقرار ، فقال المحكوم عليه : غيري . لم يقبل منه ) لأن الظاهر عدم المشاركة في ذلك ( إلا ببينة تشهد أن في البلد من يساويه فيما سمي ووصف به ، فيتوقف حتى يعلم من المحكوم عليه [ ص: 110 ] منهما ) لأنه يحتمل أن يكون الحق على المشارك له في الاسم ، وهو يشاك فيه . وحينئذ يكتب إلى الحاكم الكاتب يعلمه بالحال حتى يحضر الشاهدان ، فيشهدان عنده بما يتميز المشهود عليه منهما . فإن ادعى المسمى أنه كان في البلد من يشاركه في الاسم والصفة وقد مات ، فإن كان موته بعد الحكم أو بعد المعاملة ، وكان ممن أمكن أن يجري بينه وبين المحكوم له معاملة ، فقد وقع الإشكال ، كما لو كان حيا ، لجواز أن يكون الحق على الذي مات ، وإلا فلا إشكال .
فرع : يقبل كتابه في حيوان في الأصح بالصفة اكتفاء بها ، كمشهود عليه لا له . فإن لم تثبت مشاركته في صفته ، أخذه مدعيه بكفيل مختوما عنقه ، فيأتي به القاضي الكاتب ليشهد البينة على عينه ويقضي له به ، ويكتب له كتابا ليبرأ كفيله . وإن كان المدعي جارية سلمت إلى أمين يوصلها . وإن لم يثبت له ما ادعى لزمه رده ، ومؤنته منذ تسلمه . ذكره في " الرعاية " وزاد : دون نفعه ، وحكمه كمغصوب لأنه أخذه بلا حق .
وقيل : لا يقبل كتابه به ; لأن الوصف لا يكفي ، بدليل أنه لا يجوز أن يشهد لرجل بالوصف والتحلية ، كذلك المشهور به . والأول : رجحه في " الشرح " قياسا على العين . ويخالف المشهود له ، فإنه لا حاجة إلى ذلك فيه ، فإن الشهادة له لا تثبت إلا بعد دعواه . وقيل : يحكم به الكاتب ، ويسلم المكتوب إليه لمدعيه .
وفي " الترغيب " : على الأول لو ادعى على رجل دينا صفته كذا ، ولم [ ص: 111 ] يذكر اسمه ونسبه لم يحكم عليه ، بل يكتب إلى قاضي البلد الذي فيه المدعى عليه كما قلنا في المدعى به ليشهد على عينه . فلو كان عقارا محدودا في بلد المكتوب إليه ، أنفذ حكم القاضي الكاتب وأخذه به . وكذا حكم كل منقول معروف لا يشتبه . تنبيه : قال في " الرعاية " : يكتب في الكتاب اسم الخصمين ، واسم أبويهما أو جديهما ، وحليتهما ، وقدر المال ، وتاريخ الدعوى ، وقيام البينة العادلة ، وطلب الخصم الحكم ، وإجابته إليه . وقيل : لا يجب ذكر شهود المال . قال في " الفروع " : وظاهر كلامهم أنه لا يعتبر ذكر الجد في النسب بلا حاجة .
وذكر في " المنتقى " وغيره : أن المشهود عليه إذا عرف باسمه واسم أبيه فإنه يغني عن ذكر الجد . فائدة : إذا تحملها وشهد بها عند حاكم ، لزمه الحكم بها بشرطه ، سواء كان الكتاب إليه أو إلى غيره أو مطلقا . وليس لشهود الكتاب أن يتخلفوا في موضع لا حاكم فيه . ولهم كراء دوابهم فقط . وإن كان فيه حاكم : فإن شاءوا شهدوا عنده ليمضيه ، ويكتب إلى قاضي بلد الخصم . وإن شاءوا أشهد كل منهم على شهادته شاهدين ، يشهدان عند المكتوب إليه . ( وإن تغيرت حال القاضي الكاتب بعزل أو موت لم يقدح في كتابه ) جزم به في " المحرر " و " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " ; لأن المعول في الكتاب على الشاهدين وهما حيان ، فوجب أن يقبل الكتاب كما لو لم يمت أو ينعزل ، ولأن الكتاب إن كان فيما حكم به فحكمه لا يبطل بهما ، وإن كان فيما ثبت عنده فهو أصل ، واللذان شهدا عليه فرع ، ولا تبطل شهادة الفرع بموت [ ص: 112 ] شاهد الأصل . وقيل : لا ، كما لو فسق فينقدح ، خاصة فيما ثبت عنده ليحكم به . ( وإن تغيرت بفسق لم يقدح فيما حكم به ) قال ابن المنجا : كما لو حكم بشيء ، ثم فسق وفيه شيء .
وفي " الشرح " : كما لو حكم بشيء ثم بان فسقه ، فإنه لا ينقض ما مضى من أحكامه ، كذا هنا . ( ويبطل فيما ثبت عنده ليحكم به ) لأن بقاء عدالة شاهدي الأصل شرط في الحكم بشاهدي الفرع ، فكذلك بقاء عدالة الحاكم ; لأنه بمنزلة شاهدي الأصل . ( وإن تغيرت حال المكتوب إليه ) بأي حال كان . ( فلمن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به ) كذا ذكره معظم أصحابنا ; لأن المعول على ما حفظه الشهود وتحملوه . ومن تحمل شهادة وشهد بها وجب على كل قاض الحكم بها ، ولو ضاع الكتاب أو انمحى . وكما لو شهدا بأن فلانا القاضي حكم بكذا ، لزمه إنفاذه ، قاله في " الواضح " وغيره .
فرع : إذا كان المكتوب إليه بحاله ، ووصل الكتاب إلى غيره ، عمل به ، ذكره القاضي . ولو شهدا بخلاف ما فيه قبل ، اعتمادا على العلم .
قال أبو الخطاب ، وأبو الوفا : فإن قالا : هذا كتاب فلان إليك ، أخبرنا من نثق به . لم يجز العمل بهما . وإن قدم غائب فللكاتب الحكم عليه بلا إعادة شهود ، قاله في الانتصار .