إذا قال لعبده : متى قتلت فأنت حر ، فادعى العبد أنه قتل ، وأنكر الورثة ، فالقول قولهم ، وإن أقام كل واحد منهم بينة بما ادعاه ، فهل تقدم بينة العبد فيعتق ، أو تتعارضان ويبقى على الرق ؛ فيه وجهان ، وإن قال : إن مت في المحرم فسالم حر ، وإن مت في صفر فغانم حر ، فأقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه ، قدمت بينة سالم ، وإن قال : إن مت في مرضي هذا فسالم حر ، وإن برئت فغانم حر ، وأقاما بينتين ، تعارضتا وبقيا على الرق ، ذكره أصحابنا ، والقياس أن يعتق أحدهما بالقرعة ، ويحتمل أن يعتق غانم وحده ؛ لأن بينته تشهد بزيادة ، وإن أتلف ثوبا ، فشهدت بينة أن قيمته عشرون ، وشهدت أخرى أن قيمته ثلاثون ، لزمه أقل القيمتين ، ولو ماتت امرأة وابنها ، فقال زوجها : ماتت فورثناها ، ثم مات ابني فورثته ، وقال أخوها : مات ابنها فورثته ، ثم ماتت فورثناها ، ولا بينة ، حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ، وكان ميراث الابن لأبيه ، وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين ، وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه ، تعارضتا وسقطتا ، وقياس مسائل الغرقى أن يجعل للأخ سدس ما للابن ، والباقي للزوج .
التعارض : مصدر ، تعارضت البينتان إذا تقابلتا ، تقول : عارضته بمثل ما صنع ؛ أي : أتيت بمثل ما أتى ، فتعارضهما : أن تشهد إحداهما بنفي ما أثبتته الأخرى ، أو بالعكس .
والثاني : تتعارضان فتسقطان ، صححه في " المستوعب " ؛ لأن إحداهما تشهد بضد ما شهدت به الأخرى ، فعلى هذا : يبقى العبد رقيقا ؛ لأنه لم يثبت عتقه ، وقيل : يقرع بينهما ، وقيل : يقسم ، قال ابن حمدان : فيعتق نصفه إذن ( وإن قال : إن مت في المحرم فسالم حر ، وإن مت في صفر فغانم حر ، وأقام كل واحد منهما بينة بموجب عتقه ، قدمت بينة سالم ) قدمه في " الرعاية " ؛ لأن معها [ ص: 174 ] زيادة علم ، والمذهب كما قدمه في " الفروع " وجزم به في " الوجيز " : أنهما تتعارضان فتسقطان ويبقيان على الرق إذا جهل وقت موته ، وكما لو لم تقم بينة ، وقيل : تقدم بينة غانم فيعتق ، وقيل : يقرع بينهما ، وفي " الكافي " : أنه المذهب ، فيعتق من يقع له القرعة ، وإن بان موته بعد وجهل زمنه ولا بينة رقا ؛ لأنه يجوز أن يموت في غير الشهرين ، وفي " المحرر " : يحتمل فيما إذا ادعى الورثة موته قبل المحرم أن يعتق من شرطه الموت في صفر ؛ لأن الأصل بقاء الحياة معه .
وعلى المذهب : إذا علم موته في أحد الشهرين أقرع بينهما ، وقيل : يعمل فيهما بأصل الحياة ( وإن قال : إن مت في مرضي هذا ، فسالم حر ، وإن برئت فغانم حر ، وأقاما بينتين ، تعارضتا بقيا على الرق ، ذكره أصحابنا ) قدمه في " الرعاية " ، وجزم به في " المستوعب " و " الوجيز " ؛ لأن كل واحدة تكذب الأخرى ، وتثبت زيادة بنفيها الأخرى .
قال في " الشرح " : وهو ظاهر الفساد ؛ لأن التعارض أثره في إسقاط البينتين ، ولو لم تكونا لعتق أحدهما ، فكذلك إذا سقطتا ( والقياس أن يعتق أحدهما بالقرعة ) وهي رواية قدمها في " المحرر " وغيره ؛ لأن أحدهما استحق العتق ولا يعلم عينه ، وكما لو جهل مم مات ولم تكن له بينة ( ويحتمل أن يعتق غانم وحده ؛ لأن بينته تشهد بزيادة ) وقيل : يعتق سالم وحده ، وحكى في " الفروع " : الأقوال الأربعة من غير ترجيح لأحدها ، وكذا حكم : إن مت من مرضي بدل " في " . [ ص: 175 ] وفي " المحرر " و " الرعاية " : أنه إذا جهل مم مات ، أنهما على الرق لاحتمال موته في المرض بحادث ، وقيل : يعتق أحدهما بالقرعة ، إذ الأصل عدم الحادث ، ويحتمل أن يعتق من شرطه المرض ؛ لأن الأصل دوامه وعدم البرء .
وعنه : تسقطان لتعارضهما في الزائد ، فيحلف الغارم على الأقل ، وقيل : يقرع بينهما ، وقيل : الأكثر ، واختاره الشيخ تقي الدين في نظيرها فيمن آجر حصة موليه ، قالت : بينة بأجرة مثله ، وبينة بنصفها ، وإن كان بكل قيمة شاهد ثبت عشرة فيهما على الأولة ، وعلى الثانية يحلف مع أحدهما ولا تعارض ؛ لعدم كمال بينة الأقل ، ونصر المؤلف الأولة ؛ لأن البينتين تعارضتا في الزائد ، وتخالف الزيادة في الإخبار .
فإن من يروي الناقص لا ينفي الزائد ، وكذلك من شهدت بألف لا ينفي أن عليه ألفا أخرى . [ ص: 176 ]
لا يقال : قد أعطيتم الزوج وهو لا يدعي إلا الربع ؛ لأنه مدع لجميعه ربعه بميراثه منها ، وثلاثة أرباعه بإرثه من ابنه ( وإن أقام كل واحد منهما بينة بدعواه ، تعارضتا وسقطتا ) جزم به في " الوجيز " ؛ لأنه إذا لم يمكن العمل بهما وجب تساقطهما ؛ لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى ( وقياس مسائل الغرقى أن تجعل للأخ سدس ما للابن ، والباقي للزوج ) لأنه يقدر أن المرأة ماتت أولا ، فيكون ميراثها لابنها وزوجها ، ثم مات الابن فورث الزوج كل ما في يده ، فصار ميراثها كله لزوجها ، ثم يقدر أن الابن مات أولا فلأمه الثلث والباقي لأبيه ، ثم ماتت أمه وفي يدها الثلث فكان بين أخيها وزوجها نصفين ، لكل واحد منهما السدس ، فلم يرث الأخ إلا سدس مال الابن . [ ص: 177 ] قال المؤلف : فعلى هذا القول يختص من جهل موتهما واتفق وارثهما على الجهل به .