إذا شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم ، وهو ثلث ماله ، وشهدت أخرى أنه أوصى بعتق غانم ، وهو ثلث ماله ، أقرع بينهما ، فمن تقع له القرعة عتق دون صاحبه إلا أن يجيز الورثة ، وقال أبو بكر وابن أبي موسى : يعتق من كل واحد نصفه بغير قرعة ، وإن شهدت بينة غانم أنه رجع عن عتق سالم ، عتق غانم وحده ، سواء كانت وارثة أو لم تكن ، وإن كانت قيمة غانم سدس المال ، وبينته أجنبية قبلت ، وإن كانت وارثة عتق العبدان ، وقال أبو بكر : يحتمل أن يقرع بينهما ، فإن خرجت القرعة لسالم عتق وحده ، وإن خرجت لغانم عتق هو ونصف سالم ، وإن شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه ، وشهدت الأخرى أنه وصى بعتق غانم ، وكل واحد منهما ثلث المال عتق سالم وحده ، وإن شهدت بينة غانم أنه أعتقه في مرضه أيضا عتق أقدمهما تاريخا ، فإن جهل السابق عتق أحدهما بالقرعة ، فإن كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية فكذلك ، وإن قالت : ما أعتق سالما ، وإنما أعتق غانما ، عتق غانم كله ، وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته ، في أنه يعتق إن تقدم تاريخ عتقه ، أو خرجت له القرعة ، وإلا فلا ، فإن كانت الوارثة فاسقة ، ولم تطعن في بينة سالم عتق سالم كله ، وينظر في غانم فإن كان تاريخ عتقه سابقا ، أو خرجت القرعة له عتق كله ، وإن كان متأخرا أو خرجت القرعة لسالم لم يعتق منه شيء .
وقال القاضي : يعتق من غانم نصفه ، وإن كذبت بينة سالم عتق العبدان .
فصل .
( إذا شهدت بينة على ميت أنه أوصى بعتق سالم ، وهو ثلث ماله ، وشهدت أخرى بعتق غانم ، وهو ثلث ماله ، أقرع بينهما ، فمن تقع له القرعة عتق [ ص: 178 ] دون صاحبه ) لأنه لم تترجح بينة أحدهما على الأخرى ، والقرعة مرجحة ، بدليل الإمامة ( إلا أن يجيز الورثة ) لأن الوصيين سواء ، وسواء اتفق تاريخهما أو اختلف ، ولأن الوصية يسوى فيها بين المتقدم والمتأخر ( وقال أبو بكر وابن أبي موسى : يعتق من كل واحد نصفه بغير قرعة ) لأن القسمة أقرب إلى الصواب ، ولأن القرعة إنما تجب إذا كان أحدهما حرا والآخر عبدا ، والأول هو قياس المذهب ؛ لأن الإعتاق بعد الموت كالإعتاق في مرض الموت فتعينت القرعة ، ولحديث عمران ، لأن المقتضى من أحدهما في الحياة موجود بعد الممات .
والمذهب ـ كما جزم به أئمة المذهب ـ : أنه إذا شهدت بينة وارثه بعتق سالم في مرض موته وهو ثلث ماله ، وبينة وارثه بعتق غانم وهو كذلك ، وأجيز الثلث فكأجنبيين يعتق أسبقهما ، على الأصح ، وإن سبقت الأجنبية فكذبتها الوارثة ، أو سبقت الوارثة ـ وهي فاسقة ـ عتقا ، وإن جهل أسبقهما عتق واحد بقرعة ، وقيل : يعتق نصفهما ، وإن كانت الوارثة فاسقة غير مكذبة عتق سالم وحده ، ووقف عتق غانم على قرعة ، أو يعتق نصفه على الآخر ، وإن جمعت الوارثة الفسق والتكذيب ، أو الفسق والشهادة بالرجوع عن عتق سالم عتقا معا ( وإن شهدت بينة غانم أنه رجع عن عتق سالم عتق غانم وحده ، سواء كانت وارثة أو لم تكن ) لأنه لا تهمة في ذلك .
لا يقال : هما يثبتان ولاء سالم لأنفسهما ؛ لأنهما يسقطان ولاء غانم [ ص: 179 ] أيضا . على أن الولاء إنما هو إثبات سبب الميراث ، ومثل ذلك لا ترد به الشهادة ( وإن كانت قيمة غانم سدس المال ، وبينته أجنبية قبلت ) لعدم التهمة فيها ، فعلى هذا يعتق غانم وحده ( وإن كانت وارثة عتق العبدان ) على المذهب ، وقدمه في " المحرر " و " المستوعب " و " الرعاية " أما سالم فلشهادة الأجنبية بالوصية بعتقه ، وأما غانم فلإقرار الورثة بعتقه ، مع أنه أقل من ثلث الباقي ( وقال أبو بكر : يحتمل أن يقرع بينهما ) لأن التهمة في حق الورثة إنما هو في حق الرجوع ، فتبطل الشهادة بهما ، ويبقى أصل العتق لغانم ، فاحتيج إلى القرعة ليتميز المستحق من غيره ( فإن خرجت القرعة لسالم عتق وحده ) لأنه ثلث المال ( وإن خرجت لغانم عتق هو ونصف سالم ) لأن ذلك ثلث المال ، كما لو لم تشهد بالرجوع ، فإن الشهادة بالرجوع لم تقبل ، فكأن وجودها كعدمها ، وقال أبو بكر : يجوز على مذهبه أن يعتق من الذي قيمته الثلث نصفه ، ويقرع بين العبدين ، فأيهما وقعت عليه القرعة عتق ، وإن قلنا بالقسمة ، عتق من كل واحد ثلثاه ( وإن شهدت بينة أنه أعتق سالما في مرضه ، وشهدت الأخرى أنه وصى بعتق غانم ، وكل واحد منهما ثلث المال عتق سالم وحده ) لأن عطايا المريض مقدمة على وصاياه لرجحانها بنفس الإيقاع ( وإن شهدت بينة غانم أنه أعتقه في مرضه ) ولا تاريخ ثبت إعتاقه لهما بشرطه ؛ لأن ما شهدت به كل بينة لا تنفي ما شهدت به الأخرى ( عتق أقدمهما تاريخا ) لأن عطايا المريض يقدم فيها الأسبق فالأسبق ( فإن جهل السابق ) بأن اتفق تاريخهما أو أطلقتا أو إحداهما ، [ ص: 180 ] فهما سواء لعدم المزية ( عتق أحدهما بالقرعة ) لأن البينتين تساوتا فاحتيج إلى التمييز ، والترجيح حاصل بالقرعة ، وقيل : يعتق من كل واحد نصفه ( فإن كانت بينة أحدهما وارثة ولم تكذب الأجنبية فكذلك ) أي : يعتق أقدمهما تاريخا مع العلم به ، أو أحدهما بالقرعة مع الجهل به ؛ لأن الوارثة غير متهمة ولا مكذبة ، وهي بمثابة الأجنبي .
ولو كانت البينتان أجنبيتين لكان الأمر كذلك ، فكذا إذا كانت إحداهما وارثة ( وإن قالت : ما أعتق سالما ، وإنما أعتق غانما ، عتق غانم كله ) لإقرار الورثة بعتقه ، وقيل : يعتق ثلثاه إن حكم بعتق سالم وهو ثلث الباقي ؛ لأن العبد الذي شهدت الأجنبيتان كالمغصوب من التركة ، والأول أصح ؛ لأن المعتبر خروجه من الثلث حال الموت ، وحال الموت في قول الورثة لم يعتق سالم ، إنما عتق بالشهادة بعد الموت ( وحكم سالم كحكمه لو لم يطعن في بينته ، في أنه يعتق إن تقدم تاريخ عتقه ، أو خرجت له القرعة ، وإلا فلا ) لأن طعن الوارثة في الأجنبية غير مقبول ؛ لأن الأجنبية مثبتة والوارثة نافية ، والمثبت مقدم على النافي ، وإذا لم يقبل الطعن صار طعنها كلا طعن ، ولو لم تطعن الوارثة في الأجنبية لكان الحكم كما ذكر ، فكذا ما هو بمنزلته ( فإن كانت الوارثة فاسقة ، ولم تطعن في بينة سالم عتق سالم كله ) لأن البينة العادلة شهدت بعتقه ، ولم يوجد ما يعارضها ( وينظر في غانم فإن كان تاريخ عتقه سابقا ، أو خرجت له القرعة عتق كله ) كإقرار الورثة أنه هو المستحق للعتق ( وإن كان متأخرا أو خرجت القرعة لسالم لم يعتق منه شيء ) [ ص: 181 ] لأن بينته لو كانت عادلة لم يعتق منه شيء ، فإذا كانت فاسقة أولى ( وقال القاضي : يعتق من غانم نصفه ) لأنه استحق العتق بإقرار الورثة مع ثبوت العتق للآخر بالبينة العادلة ، فصارت بالنسبة إليه كأنه أعتق العبدين ، فيعتق منه نصفه في الأحوال كلها ، قال : المؤلف وهذا لا يصح ، فإنه لو أعتق العبدين لأعتقنا أحدهما بالقرعة ؛ ولأنه في حال تقديم تاريخ عتق من شهدت له البينة لا يعتق منه شيء ، ولو كانت بينته عادلة ، فمع فسقها أولى ( وإن كذبت بينة سالم عتق العبدان ) لأن سالما مشهود بعتقه ، وغانم مقر له بأنه لا مستحق للعتق سواه ، وقيل : يعتق سواه ، وقيل : يعتق من غانم ثلثاه ، والأول أولى .
فرع : ذكر أكثر أصحابنا أن التدبير مع التنجيز ، كآخر التنجيزين مع أولهما ؛ لأن التدبير تنجيز بالموت ، فوجب أن يتأخر عن المنجز في الحياة ، أشبه إذا شهد عدلان أن زيدا أوصى لعمرو بثلث ماله ، وشهد آخران أنه وصى لبكر بثلث ماله ، وشهد آخران أنه رجع عن وصية أحدهما ، أقرع بينهما فمن قرع قدم ، وإن تأخرت وصيته ، ذكره ابن أبي موسى والسامري ، وذكر أبو بكر : أنه قياس قول أحمد ، وإذا صح الرجوع عن إحداهما بغير تعيين صحت الشهادة به ؛ لأن الوصية تصح بالمجهول وتصح الشهادة فيها بالمجهول .
وقال القاضي : لا تصح الشهادة ؛ لأنهما لم يعينا المشهود عليه ، كما لو قالا : نشهد أن لهذا على أحد هذين ألفا ، فلو شهد اثنان أنه وصى لزيد بثلث ماله [ ص: 182 ] وشهد واحد أنه وصى لعمرو بثلث ماله ، انبنى على الخلاف .
أحدهما : يتعارضان ، فيحلف عمرو مع شاهده ، ويقسم الثلث بينهما .
والثاني : لا ، فينفرد زيد بالثلث ، وتقف وصية عمرو على إجازة الورثة .
فأما إن شهد واحد بالرجوع عن وصية زيد فلا تعارض ، ويحلف عمرو مع شاهده وتثبت له الوصية .
والفرق بينهما : أن في الأولى تقابلت البينتان فقدمنا أقواهما .
وفي الثانية : لم تتقابلا وإنما ثبت الرجوع ، وهو يثبت بالشاهد واليمين ، لأن المقصود منه المال .