ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها ، وإن شهد بالرضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات ، وأنه شرب من ثديها ، أو من لبن حلب منه ، وإن شهد بالقتل ، احتاج أن يقول : ضربه بالسيف ، أو جرحه فمات ، لم يحكم به ، وإن شهد بالزنى فلا بد أن يذكر بمن زنى بها ، وأين زنى ؛ وكيف زنى ؛ وأنه رأى ذكره في فرجها ، ومن أصحابنا من قال : لا يحتاج إلى ذكر المزنى بها ولا ذكر المكان ، ومن شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه ، والنصاب والحرز ، وصفة السرقة ، وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف ، وإن شهد أن هذا العبد ابن أمة فلان لم يحكم له به حتى يقولا : ولدته في ملكه ، وإن شهدا أنه اشتراها من فلان أو وقفها عليه ، أو أعتقها ، لم يحكم له بها حتى يقولا : وهي في ملكه ، وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه ، أو الطير من بيضته ، والدقيق من حنطته ، حكم له بها ، وإذا مات رجل وادعى آخر أنه وارثه ، فشهد شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثا سواه ، سلم المال إليه سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة ، أو لم يكونا ، وإن قالا : لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد ، احتمل أن يسلم المال إليه ، واحتمل أن لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها .
وتجوز شهادة المستخفي ، ومن سمع رجلا يقر بحق ، أو يشهد شاهدا بحق ، أو يسمع الحاكم يحكم ، أو يشهد على حكمه ، أو إنفاذه في إحدى الروايتين ، ولا يجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك .
فصل .
( ومن شهد بالنكاح فلا بد من ذكر شروطه ) كذا ذكره في " المحرر " و " الوجيز " و " الفروع " ؛ لأن الناس يختلفون في شروطه ، فيجب ذكرها لئلا يعتقد الشاهد صحته وهو فاسد ، ولعل ظاهره إذا اتحد مذهب الشاهد والحاكم لا يجب التبيين .
ونقل عبد الله فيمن ادعى أن هذه الميتة امرأته وهذا ابنه منها ، فإن أقامها بأصل النكاح ويصلح ابنه ، فهو على أصل النكاح ، والفراش ثابت يلحقه .
وإن ادعت أن هذا الميت زوجها ، لم يقبل إلا ببينة تشهد بأصل النكاح ، وتعطى الميراث ( وأنه تزوجها بولي مرشد وشاهدي عدل ورضاها ) إن لم تكن مجبرة ، هذا من جملة الشروط ، ولعله إنما ذكر ذلك للخلاف في بعضها .
وحاصله : أن البينة تشهد بذلك ، وأنه تزوجها في صحة بدنه وجواز أمره ، لكن لا يعتبر : في صحته وجواز أمره ، [ ص: 200 ] تنبيه : إذا شهد باستباحة الزوجية جاز ، وإن ذكر سببها لم تكن شهادة ، وقيل : لا يشهد فيها باستفاضة ، وهو بعيد ، وإن عقد بلفظ لا خلاف فيه شهد بالعقد والزوجية ، تقول : حضرت العقد الجاري بينهما وأشهد به ، وإن قال : حضرت وشهدت به ، فقال ابن حمدان : يحتمل وجهين ، والصحة أظهر .
فرع : مقتضى ما ذكره المؤلف : أنه لا يشترط في البيع ونحوه ذكر شروطه وهو وجه ، والأشهر أنه يشترط في سائر العقود ( وإن شهد بالرضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات ، وأنه شرب من ثديها ، أو من لبن حلب منه ) لاختلاف الناس فيما يصير به ابنها ، ولا بد أن يكون ذلك في الحولين ، وقيل : ودخول اللبن إلى جوفه .
قال في " الكافي " : وإن رأى امرأة اتخذت صبيا تحت ثيابها فأرضعته ، لم يجز أن يشهد بإرضاعه ؛ لأنه يجوز أن تتخذ شيئا على هيئة الثدي تمصه له ( وإن شهد بالقتل ، احتاج أن يقول : ضربه بالسيف ، أو جرحه ) فقتله أو مات من ذلك ؛ لأن ما ذكر شرط في إيجاب القتل ، فاحتيج إلى قوله في الشهادة به ، ويعتبر ذكر الآلة ، ووصف الجناية بعمد أو غيره ، والانفراد به أو شارك غيره ، فإن قال : ( جرحه فمات ، لم يحكم به ) لجواز أن يكون مات بغير هذا ، ولأنه لم يستند الموت إلى الجرح ، فلم يثبت كون الموت بسبب جرحه ، فإن قال : ضربه فوجده موضحا ، أو فسال دمه ، لم يصح ، وإن قال : ضربه فأوضحه ، فوجد في رأسه موضحتين وجب دية موضحة ؛ [ ص: 201 ] لأنه قد أثبتها ، ولم يجب قصاص ؛ لأنا لا ندري أيتهما التي شهد بها ( وإن شهد بالزنى فلا بد من ذكر من زنى بها ، وأين زنى ؛ وكيف زنى ؛ وأنه رأى ذكره في فرجها ) لأن اسم الزنى يطلق على ما لا يوجب الحد ، وقد يعتقد الشاهد ما ليس بزنى زنى ، فاعتبر ذكر صفته ؛ ليزول الاحتمال ، ولأنه إذا اعتبر التصريح في الإقرار كان اعتباره في الشهادة أولى ، وقد تكون المرأة ممن يحل له وطؤها ، أو له فيه شبهة ، وقد تكون الشهادة على فعلين ، فاعتبر المكان ، وإن لم يذكر الشهود ذلك سألهم الحاكم عنه ( ومن أصحابنا ) وهو ابن حامد ( من قال : لا يحتاج إلى ذكر المزني بها ، ولا ذكر المكان ) لأنه لم يأت ذكرهما في الحديث الصحيح ، وليس في حديث الشهادة في رجم اليهوديين ذكر المكان ، وكذا لا يشترط أيضا ذكر الزمان ؛ لأن الأزمنة في الزنى واحدة لا تختلف ، وفيه وجه : بلى ، لتكون شهادتهم على فعل واحد ، وتقبل بحد قديم كالقصاص ، وقال ابن أبي موسى : لا تقبل لقول عمر ( وإن شهد بالسرقة فلا بد من ذكر المسروق منه ، والنصاب والحرز ، وصفة السرقة ) لأن الحكم يختلف باختلافها ، ولتتميز السرقة الموجبة للقطع من غيرها ( وإن شهد بالقذف ذكر المقذوف وصفة القذف ) ويذكر القاذف ، وقيل : وأين ؛ ومتى ؛ ( وإن شهد أن هذا العبد ابن أمة فلان لم يحكم له به حتى يقولا : ولدته في ملكه ) جزم به في " الوجيز " و " الشرح " ، وقدمه في " الرعاية " ، لجواز أن تكون ولدته قبل تملكها . وقيل : لا يشترط قولهما : ولدته في ملكه . فإن قالا : في ملكه . صح ؛ لأنها شهدت أنه نماء ملكه ، ونماء ملكه له ما لم يرد نقله عنه . فإن قيل : قد قلتم : لا [ ص: 202 ] تقبل شهادته بالملك السابق على الصحيح ، وهذه شهادة بملك سابق ، قلنا : الفرق ـ على تقدير التسليم ـ أن النماء تابع للملك في الأصل ، فإثبات ملكه في الزمن الماضي على وجه التبع ، وجرى مجرى ما لو قال : ملكه منذ سنة ، وأقام البينة به ، فإن ملكه ثبت في الزمن الماضي تبعا للحال ، فيكون له النماء فيما مضى ؛ لأن البينة هنا شهدت بسبب الملك فقويت بذلك .
ولهذا لو شهدت بالسبب في الزمن الماضي ، فقال : أقرضته ألفا ، ثبت الملك وإن لم يذكره فمع ذكره أولى .
فرع : إذا شهد على إقرار غيره بحق ، فقيل : يعتبر ذكر سببه . والأصح : لا ، كاستحقاق مال ، وإن شهد بسبب يوجبه ، واستحقاق غيره ذكره .
وفي " الرعاية " : من شهد لزيد على عمرو بشيء ، سأله عن سببه ، انتهى .
ولا تعتبر إشارته إلى مشهود عليه حاضر مع نسبه ووصفه ، ولا قوله طوعا في صحته مكلفا ، عملا بالظاهر ، وما صحت الشهادة به صحت الدعوى ، وبالعكس .
وعلى اختيار المؤلف : لا يشترط ذلك فيما إذا كانت في يد المتعاقدين ، أما إذا كانت في يد غيرهما ، فلا بد من ذكر الملك والتسليم ، وتشهد البينة به ( وإن شهدا أنه اشتراها من فلان أو وقفها عليه أو أعتقها ، لم يحكم له بها حتى يقولا : وهي [ ص: 203 ] في ملكه ) لأنه قد يبيع ويقف ويعتق ما لا يملكه ، ولأنه لو لم يشترط قول الشاهدين وهي في ملكه ، لتمكن كل من أراد أن ينتزع شيئا من يد غيره أن يتفق هو وشخص ، ويبيعه إياه بحضرة شاهدين ، ثم ينتزعه المشتري من يد صاحبه ، ثم يقتسمانه ، وفي ذلك ضرر عظيم لا يرد الشرع بمثله ( وإن شهدا أن هذا الغزل من قطنه ، أو الطير من بيضته ، أو الدقيق من حنطته ، حكم له بها ) ذكره الأصحاب ؛ لأن الغزل عين القطن ، وإنما تغيرت صفته ، والطير هو البيضة استحالت ، والدقيق عين الحنطة ، وإنما تفرقت أجزاؤها ، وقيل : أو البيضة من طيره فكذلك ، والأصح : لا ، حتى يقولا : باضتها في ملكه ؛ لأن البيضة غير الطير ، وإنما هي من نمائه كالولد ( وإذا مات رجل ، وادعى آخر أنه وارثه ، فشهد شاهدان أنه وارثه لا يعلمان له وارثا غيره ، سلم المال إليه ) في قول أكثر العلماء ؛ لأن هذا مما لا يمكن علمه ، فكفى فيه الظاهر مع شهادة الأصل بعدم وارث آخر ( سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة ، أو لم يكونا ) وجزم به في " الوجيز " ؛ لأن قول البينة يعضده الأصل ، وفيه وجه : أنه لا يقبل من غير أهل الخبرة الباطنة فيجب الكشف عن حاله ؛ لأن عدم علمهم بوارث ليس بدليل على عدمه ، بخلاف أهل الخبرة الباطنة ، فيأمر من ينادي بموته وليحضر وارثه ، فإذا غلب على ظنه أنه لا وارث له سلمه ، وقيل : بكفيل .
فعلى الأول : يكمل لذي الفرض فرضه .
وعلى الثاني : ـ وجزم به في " الترغيب " ـ يأخذ اليقين ، وهو ربع ثمن للزوجة [ ص: 204 ] عائلا ، وسدس للأم عائلا ، من كل ذي فرض لا حجب فيه ، ولا يقين في غيره .
ومقتضاه : أنه إذا شهد له بالإرث كفى ، نقل الأزجي فيمن ادعى إرثا ، لا يخرج في دعواه إلى إثبات السبب الذي يرث به ، وإنما يدعي الإرث مطلقا ؛ لأن أدنى حالاته أنه يرث بالرحم ، وهو صحيح على أصلنا ، والمعروف خلافه ( وإن قالا : لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد ) أو بأرض كذا ( احتمل أن يسلم إليه المال ) قدمه في " المحرر " و " الفروع " وجزم به في " الوجيز " ؛ لما تقدم ( واحتمل أن لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها ) وقاله أكثر أهل العلم ، قال في " الشرح " : وهو أولى ؛ لأنهما قد يعلمان أنه لا وارث له في تلك الأرض ، ويعلمان له وارثا في غيرها فلم يقبل ، كما لو قالا : لا نعلم له وارثا في هذا البيت ، وإن شهدا بأنه ابنه لا وارث له غيره ، وبينة كذلك ثبت نسبه منهما وقسم المال بينهما ، لأنه لا ينافي .
قال المؤلف في فتاويه : إنما احتاج إلى إثبات لا وارث له سواه ؛ لأنه يعلم ظاهرا ، فإنه بحكم العادة يعرفه جاره ، ومن يعرف باطن أمره ، بخلاف دينه على الميت ، لا يحتاج إلى إثبات لا دين عليه سواه لخفاء الدين .
فرع : لا ترد الشهادة على النفي مطلقا ، بدليل هذه المسألة والإعسار ، بل يقبل إذا كان النفي محصورا ، كقول الصحابي ، دعي إلى الصلاة فقام فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ كالإثبات ، وهل يشهد عقدا فاسدا مختلفا فيه ؛ ويشهد [ ص: 205 ] به ؛ يتوجه دخولها فيمن أتى فرعا مختلفا فيه .
قال في " التعليق " : يشهد . وفي " الفتاوى المصرية " : يجوز للكاتب والشاهد أن يكتب ويشهد به ، ولو لم ير جوازه ؛ لأنه من المسائل الاجتهادية ، والفقيه يحكم بما يراه من الخلاف .
فرع : إذا شهد أنه طلق أو أعتق أو أبطل من وصاياه واحدة ، ونسيا عينها ، لم تقبل هذه الشهادة ، ذكره في " المحرر " و " الرعاية " ، وقيل : بلى ، جزم به في " المبهج " في الوصية .
وفيها في " الترغيب " : قال أصحابنا : يقرع بين الوصيتين ، فمن خرجت قرعتها فهي الصحيحة ( وتجوز شهادة المستخفي ) وهو المتواري عن المشهود عليه ، وهي مقبولة ، قال في " الشرح " : على الرواية الصحيحة ، رواه سعيد بإسناد رجاله ثقات ، عن عمرو بن حريب ، ولأنه قد تدعو الحاجة إلى ذلك مثل أن يكون خصمه يقر سرا ويجحد جهرا ، فلو لم تجز شهادته لأدى إلى بطلان الحق .
وفي ثالثة : إن أقر بحق في الحال شهد به ، كقوله : علي كذا . وإن أقر بسابقته [ ص: 206 ] كأقرضني ، وكان علي وقضيته إذا جعلناه إقرارا لم يشهد به حتى يشهده به .
قال في " المحرر " : وهي الأصح .
وعنه : يشهد بما سمعه ، ولا يؤدي حتى يقول : اشهد علي ، فإذا قاله وجب الأداء ( ومن سمع رجلا ) مكلفا ( يقر بحق ) أو عقد أو عتق أو طلاق ( أو يشهد شاهدا بحق ) فعلى الخلاف ، والمذهب : أنه يشهد عليه ، وإن لم يقل له : اشهد .
وعنه : لا ، كالشهادة .
وفرق المؤلف بينهما بأن الشهادة على الشهادة ضعيفة فاعتبر تقويتها بالاستدعاء ( أو يسمع الحاكم يحكم ، أو يشهد على حكمه ، أو إنفاذه في إحدى الروايتين ) وهي ظاهر المذهب ؛ لأن المعتمد عليه السماع وهو موجود ، ولأن أبا بكرة وأصحابه شهدوا على المغيرة ولم يقل عمر هل أشهدكم أو لا ؛ وكذلك عثمان لم يسأل الذين شهدوا على nindex.php?page=showalam&ids=292الوليد بن عقبة بذلك ، ولم يقل هذا أحد من الصحابة ولا غيرهم ( ولا يجوز في الأخرى حتى يشهده على ذلك ) كالشهادة على الشهادة ، وقدم في " المحرر " و " الرعاية " تلزم الشهادة ، وعنه : يخير في ذلك ، وذكر القاضي رواية في الأفعال : لا يشهد ، حتى يقول له المشهود عليه : اشهد ، وهذا إن أراد به العموم في جميع الأفعال لم يصح ؛ لأن الغاصب لا يقول لأحد : اشهد علي أني غصبت ، وإن أراد به الأفعال التي تكون بالتراضي كقرض وبيع جاز .