وإن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس ، وشهد آخر أنه أقر له بألف اليوم ، أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس ، وشهد آخر أنه باعه إياها اليوم ، كملت البينة وثبت البيع والإقرار وكذلك كل شهادة على القول إلا النكاح ، إذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس ، وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم ، لم تكمل البينة ، وكذلك القذف ، وقال أبو بكر : يثبت القذف .
وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف ، وشهد آخر أنه أقر له بألفين ، ثبت ألف ويحلف على الآخر مع شاهده إن أحب ، وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا ، وشهد آخر أن له عليه ألفين ، فهل تكمل البينة على ألف ؛ على وجهين ، وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا من قرض ، وشهد آخر أن له عليه ألفا من ثمن مبيع ، لم تكمل البينة وإن شهد شاهدان أن له عليه ألفا ، وقال أحدهما : قضاه بعضه ، بطلت شهادتهما ، نص عليه وإن شهدا أنه أقرضه ألفا ، ثم قال أحدهما : قضاه نصفه ، صحت شهادتهما ، وإذا كانت له بينة بألف ، فقال : أريد أن تشهدا لي بخمسمائة ، لم يجز ، وعند أبي الخطاب : يجوز .
فصل .
( إذا شهد أحدهما أنه غصبه ثوبا أحمر ، وشهد آخر أنه غصبه ثوبا أبيض ) لأنه إذا اختلف الشاهدان في صفة المشهود به لم تكمل البينة على واحد منهما ( أو شهد أحدهما أنه غصبه اليوم ، وشهد الآخر أنه غصبه أمس ، لم تكمل البينة ) لاختلافهما في الوقت ( وكذلك كل شهادة على الفعل ، إذا اختلفا في الوقت لم تكمل البينة ) لأن أحد الفعلين غير الآخر ، لأن الفعل الواقع في يوم غير الفعل الواقع في يوم آخر ، فلو شهدا بفعل متحد في نفسه كإتلاف ثوب وقتل زيد ، أو باتفاقهما كغصب وسرقة ، واختلفا في وقته أو مكانه أو صفة تتعلق به ، كلوث وآلة قتل مما يدل على تغاير الفعلين ، لم تكمل البينة على المذهب .
وفي " المحرر " : هو قول أصحابنا للتنافي .
وقال أبو بكر : يجمع بينهما حتى يوجب القطع والقود ، وقيل : بل يحلف مع كل شاهد ، ويأخذ ما شهد به من مال ، وقيل : لا حد بحال ، وإن أمكن تعدده ولم يشهد بأنه متحد ، فبكل شيء شاهد فيعمل بمقتضى ذلك ، ولا تنافي بينهما ، ولو كان بدل شاهد بينة ثبتا هنا إن ادعاهما ، وإلا ما ادعاه وتعارضتا في الأولى .
قال المؤلف : والصحيح أنه لا تعارض فيه ؛ لإمكان الجمع . [ ص: 208 ] فرع : إذا شهد واحد بالفعل ، وآخر على الإقرار به ، جمعت شهادتهما ، نص عليه ، واختاره أكثر الأصحاب ؛ لقصة الوليد في شرب الخمر ، ولو شهدا في وقتين على إقراره بالغصب ، أو شهد اثنان على الفعل وآخران على الإقرار به ، لم يجمع بينهما في الأشهر ؛ لأنه يجوز أن يكون ما أقر به غير ما شهد به الشاهدان ، وهذا يبطل بالشهادة على إقرارين ، مسألة : إذا شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا أو قتله عمدا ، وآخر أنه أقر بقتله أو قتله وسكت ، ثبت القتل وصدق المدعى عليه في صفته ( وإن شهد أحدهما أنه أقر له بألف أمس ، وشهد آخر أنه أقر له بألف اليوم ) لأنهما ـ وإن كانا إقرارين ـ فهما إقرار بشيء واحد ، وكذا في " الرعاية " مع أنه أطلق الخلاف في كل شهادة على القول ( أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس ، وشهد آخر أنه باعه إياها اليوم ، كملت البينة وثبت البيع ) لأن المشهود به شيء واحد يجوز أن يعاد مرة بعد أخرى ، فلم يؤثر ، كما لو شهد أحدهما بالعربية والآخر بالفارسية ( والإقرار ) في الصورة الأولى ( وكذلك كل شهادة على القول ) .
وكذا في " المحرر " و " المستوعب " و " الشرح " ، وسواء اختلفا وقتا أو مكانا ؛ لأن المشهود به واحد ، كما لو شهدا على الإقرار بشيء واختلفا في وقته أو موضعه أو اللغة المقر بها .
وفي " الرعاية " قول : أنهما إذا اختلفا وقتا أو مكانا لم تكمل البينة ، ولم [ ص: 209 ] يذكر في " الكافي " في الإقرار خلافا أن الشهادة تكمل فيه ، وذكر في غيره احتمالين ( إلا النكاح إذا شهد أحدهما أنه تزوجها أمس ، وشهد الآخر أنه تزوجها اليوم ، لم تكمل البينة ) لأن اختلاف الشهود في الوقت يمنع من كمال البينة ومن ثبوته ، أما أولا : فلأن البينة الكاملة يثبت موجبها ـ كما تقدم ـ والبينة المذكورة لا يثبت موجبها .
وأما ثانيا : لأن من شرط صحته حصول الشاهدين له ، فإذا اختلفا في الوقت لم يتحقق حصول الشرط ، فلم يثبت المشروط مع عدم تحقق شرطه ، قاله ابن المنجا .
وفي " الشرح " : لم تكمل البينة في قولهم جميعا ؛ لأنه لم يشهد بكل عقد إلا شاهد واحد فلم يثبت ( وكذلك القذف ) ألحق أكثر أصحابنا القذف بالأفعال ، وهو المذهب ؛ لأن البينة لم تكمل على قذفه ، ولأن اختلاف الشهود شبهة والحد يدرأ بها ( وقال أبو بكر : يثبت القذف ) لأن المشهود به واحد ، أشبه البيع وسائر الأموال .
تنبيه : ذكر في " الشرح " : أنه إذا شهد أحدهما أنه أقر عندي يوم الخميس بدمشق أنه قتله أو قذفه أو غصبه ، وشهد الآخر أنه أقر عندي بهذا يوم السبت ، كملت البينة وهو قول أكثرهم .
وقال زفر : لا تكمل ؛ لأن كل إقرار لم يشهد به إلا واحد كالشهادة على الفعل .
[ ص: 210 ] وجوابه : أن المقر به واحد ، وقد شهد اثنان على الإقرار به فكملت ، كما لو كان الإقرار به واحدا ، وفارق الشهادة على الفعل ، فإن الشهادة على فعلين مختلفين ، فنظيره في الإقرار أن يشهد أحدهما : أنه أقر عندي قتله يوم الخميس ، والآخر : أنه قتله يوم الجمعة ، لم تكمل البينة ؛ لأن الذي شهد به أحدهما غير الذي شهد به الآخر ، كما لو شهد أحدهما أنه غصبه دنانير ، والآخر دراهم ، ثم ذكر قول أبي بكر : أنها تكمل ؛ لأن ذلك ليس من المقتضى ، فلا يعتبر في الشهادة ، والأول أصح .
قلت : وعلى عدم الجمع ، لمدعي القتل أن يحلف مع أحدهما ويأخذ الدية .
ومتى جمعنا مع اختلاف الوقت في قتل أو طلاق فالعدة والإرث يلي آخر المدتين ( وإن شهد شاهد أنه أقر له بألف ، وشهد آخر أنه أقر له بألفين ، ثبت ألف ) على المذهب ؛ لأن الشهادة فيها كملت ، وكما لو لم يزد أحدهما على صاحبه ، وسواء عزوا ـ أو أحدهما ـ الشهادة إلى الإقرار ، أو جهة واحد غيره ، أو لم يعرفا ، وقيل : لا ؛ لأنه لم يشهد بكل إقرار إلا واحد .
قال في " الشرح " : ويبطل إذا شهد أحدهما أنه أقر له بألف غدوة ، وآخر أنه أقر بها عشية ، مع أن كل إقرار إنما شهد به واحد ، وكذا إذا شهد واحد بألف وآخر بخمسمائة ، أو شاهد بثلاثين وآخر بعشرين ، وقيل : بل يحلف مع كل شاهد ، ويأخذ ما شهدا به ، ذكره السامري وابن حمدان ( ويحلف على الآخر مع شاهده [ ص: 211 ] إن أحب ) نص عليه ؛ لأن المال يثبت بشاهد ويمين .
قال في " الشرح " : وهذا إذا أطلقنا الشهادة ، أو لم تختلف الأسباب والصفات ، فإن شهد له شاهدان بألف وآخران بخمسمائة ، ولم تختلف الأسماء والصفات دخلت الخمسمائة في الألف ، ووجب له ألف بالشهادتين .
وإن اختلف الأسباب والصفات وجبا ؛ لأنهما مختلفان ( وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا ، وشهد آخر أن له عليه ألفين ، فهل تكمل البينة على ألف ؛ على وجهين ) أحدهما : تكمل كالتي قبلها ، جزم بها في " المستوعب " و " الوجيز " ، وصححه في " الرعاية " ؛ لأن الشهادة كانت مطابقة غير مسندة للمشهود به على سبب ، فبالقياس على ما إذا كانت البينة على الإقرار ، وسواء عزوا أو أحدهما الشهادة إلى إقرار أو جهة غيره أو لم يعزوا ، فعلى هذا : يحلف المدعي إن شاء لتمام الأكثر مع شاهده ويأخذ ذلك .
والثاني : لا تكمل ؛ لأنه يحتمل أن تكون الألف من غير الألفين ، فعليه لا يثبت شيء من ذلك ، قاله ابن المنجا وغيره ( وإن شهد أحدهما أن له عليه ألفا من قرض ، وشهد آخر أن له عليه ألفا من ثمن مبيع ، لم تكمل البينة ) جزم به أكثر الأصحاب ؛ لأن أحد الألفين لا يمكن أن يكون الآخر ، فعلى هذا : يحلف مع كل شاهد ، ويأخذ ما شهد به ، وقيل : إن شهدا على الإقرار كملت ، وعلى الأول لو شهد شاهد بألف وآخر بألف من قرض كملت البينة ( وإن شهد شاهدان أن [ ص: 212 ] له عليه ألفا ، وقال أحدهما : قضاه بعضه ، بطلت شهادتهما ، نص عليه ) وهو المذهب ؛ لأن ما قضاه لم يبق عليه ، فيكون كلامه متناقضا فتفسد شهادته ، وفارق هذا ما لو شهد بألف ، ثم قال : بل بخمسمائة ؛ لأن ذلك رجوع عن الشهادة بخمسمائة وإقرار بغلط نفسه ( وإن شهدا أنه قرضه ألفا ، ثم قال أحدهما قضاه نصفه ، صحت شهادتهما ) جزم به في " المستوعب " و " الوجيز " ؛ لأن الوفاء لا ينافي القرض ، ويتخرج فيه كالتي قبلها ، ويتخرج فيهما أن لا يثبت بشهادتهما سوى الخمسمائة ، وعلى الأول يحتاج قضاء الخمسمائة إلى شاهد ويمين ( وإن كانت له بينة بألف ، فقال : أريد أن تشهدا لي بخمسمائة ، لم يجز ) إذا كان الحاكم لم يول الحكم فوقها ، نص عليه ، قدمه أئمة المذهب ، وصححه المؤلف ، وجزم به في " الوجيز " .
وقال القاضي : في " الأحكام السلطانية " : للشاهد أن يشهد بالألف ، والقاضي يحكم بالقدر الذي جعل له الحكم فيه ، وذكره نصا ( وعند أبي الخطاب : يجوز ) لأن مالك الشي مالك لبعضه ، فمن شهد بألف فقد شهد بخمسمائة .
فائدة : إذا شهد اثنان في محفل على واحد منهم أنه طلق أو أعتق ، قبل ، وكذا لو شهدا على خطيب أنه قال أو فعل على المنبر في الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما ، مع المشاركة في سمع وبصر ، ذكره في " المغني " وغيره ، ولا يعارضه قولهم : إذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعي على نقله مع مشاركة خلق كثير ، رد .