ومتى زالت الموانع منهم ، فبلغ الصبي ، وعقل المجنون ، وأسلم الكافر ، وتاب الفاسق ، قبلت شهادتهم بمجرد ذلك ، ولا يعتبر إصلاح العمل ، وعنه : يعتبر في التائب إصلاح العمل سنة ، ولا تقبل شهادة قاذف ؛ وتوبته أن يكذب نفسه ، وقيل : إن علم صدق نفسه ، فتوبته أن يقول : قد ندمت على ما قلت ، ولا أعود إلى مثله ، وأنا تائب إلى الله منه .
فصل .
( ومتى زالت الموانع منهم ، فبلغ الصبي ، وعقل المجنون ، وأسلم الكافر ، وتاب الفاسق ، قبلت شهادتهم بمجرد ذلك ) لأن المقتضي موجود ، إنما ردت لمانع وقد زال ، ولا يشترط الإقرار به ، وذكر القاضي : أن الإقرار به أولى إذا كان معصية مشهورة ، وشرطها ندم وإقلاع وعزم على ألا يعود ، وأن يكون ذلك [ ص: 234 ] خالصا لوجهه تعالى ، فإن تاب من حق آدمي ، لم تقبل شهادته حتى يبرئه منه ، أو يؤخره برضاه ، أو ينوي رده إذا قدر ، وقيل : يسقط بالتوبة ، ويعوض الله المظلوم بما شاء ، فتقبل إذن ، وإن كان من حق لله كزكاة وصلاة ، فلا بد من فعله سريعا بحسب طاقته ، ويعتبر رد مظلمة أو يستحله أو يستمهله معسر ( ولا يعتبر إصلاح العمل ) نصره في " الشرح " ، وقدمه في " المحرر " و " الفروع " ؛ لقوله عليه السلام nindex.php?page=hadith&LINKID=10340761التائب من الذنب كمن لا ذنب له ولأن شهادة الكافر تقبل بمجرد الإسلام ، فلأن تقبل شهادة الفاسق بمجرد التوبة بطريق الأولى .
ولقول عمر رضي الله عنه لأبي بكرة : " تب أقبل شهادتك " ولحصول المغفرة بها ( وعنه : يعتبر في التائب إصلاح العمل سنة ) لقوله تعالى : إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا [ النور : 5 ] فنهى عن قبول الشهادة ثم استثنى التائب المصلح ، ولأن عمر لما أمر بضرب ضبيع وأمر بهجرانه حتى بلغه توبته ، فأمر أن لا يكلم إلا بعد سنة ، وقيل : إن فسق بفعل ، وإلا لم يعتبر ، ذكره في " التبصرة " رواية .
وعنه : في مبتدع جزم به القاضي والحلواني ، وقيل : يعتبر مضي مدة يعلم حاله فيها ، وعنه : ومجانبة قرينة فيه .
وفي كتاب ابن حامد : أنه يجيء على قول بعض أصحابنا من شرط صحتها وجود أعمال صالحة لظاهر الآية : إلا من تاب .
فرع : إذا علق توبته بشرط ، فإنه غير تائب حالا ، ولا عند وجوده ( ولا [ ص: 235 ] تقبل شهادة قاذف ) أي : تسقط شهادته بالقذف إذا لم يحققه للآية ، والمراد بالقاذف المردود الشهادة : وهو الذي لم يأت بما يحقق قذفه ، كالزوج يقذف زوجته ويتحقق عدمه بالبينة أو اللعان ، وكالأجنبي يقذف أجنبية ويتحقق عدمه بالبينة ، فهذا ترد شهادته حتى يتوب ، فتقبل شهادته سواء حد أو لا ، جزم به الأصحاب ، وبه قال أكثرهم ، وكسائر الذنوب ، بل هذا أولى .
ولقول عمر لأبي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك رواه أحمد وغيره .
واحتجوا به مع اتفاق المسلمين على الرواية عن أبي بكرة ، مع أن عمر لم يقبل شهادته لعدم توبته من ذلك ، ولم ينكر ذلك .
قال في " الفروع " : وهذا فيه نظر ؛ لأن الآية إن تناولته لم تقبل روايته لفسقه ، وإلا قبلت شهادته ، كروايته لوجود المقتضي وانتفاء المانع ( وتوبته أن يكذب نفسه ) نص عليه ، جزم به في " المحرر " ، وقدمه في " الرعاية " ؛ لقوله عليه السلام في قوله تعالى : إلا الذين تابوا توبته أن يكذب نفسه ولكذبه حكما ( وقيل : إن علم صدق نفسه ، فتوبته أن يقول : قد ندمت على ما قلت ، ولا أعود إلى مثله ، وأنا تائب إلى الله تعالى منه ) لأن المقصود يحصل بذلك ، ولأن الندم توبة للخبر ، وإنما اعتبر القول ليعلم تحقق الندم ، وقيل : إن كان سبا ، فالتوبة منه إكذاب نفسه ، وإن كان شهادة ، فبأن يقول : القذف حرام باطل ، ولن أعود إلى ما قلت ، اختاره القاضي وصاحب " الترغيب " .
[ ص: 236 ] قال القاضي : هو المذهب ؛ لأنه قد يكون صادقا فلا يؤمر بالكذب ، وهو قول السامري ، إلا أنه قال : يقول : ندمت على ما كان مني ، ولا أعود إلى ما أتهم فيه ، ولا أعود إلى مثل ما كان مني ؛ لأن في ذلك ألا يشهد .