" وأما
أخلاقه صلى الله عليه وسلم " .
فكان
أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، وكان أحسن الناس خلقا وخلقا ، وألينهم كفا ، وأطيبهم ريحا ، وأحسنهم عشرة ، وأخشعهم وأعلمهم بالله ، وأشدهم له خشية ،
لا يغضب لنفسه ، ولا ينتقم لها ، وإنما يغضب إذا انتهكت محارم الله ، وكان خلقه القرآن ، وكان
أكثر الناس تواضعا ، يقضي حاجة أهله ، ويخفض جناحه للضعيف ، ما سئل شيئا قط فقال : لا ، وكان
أحلم الناس ، وأشد
حياء من العذراء في خدرها ، القريب والبعيد والقوي والضعيف عنده في الحق سواء ، ما عاب طعاما قط ، إن اشتهاه أكله ، وإلا تركه ، ولا يأكل متكئا ، ولا على خوان ، ويأكل ما تيسر ، وكان يحب الحلوى والعسل ، ويعجبه الدباء ، وقال : " نعم الأدم الخل " يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، ويكافئ على الهدية ، ويخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويعود المريض ، ويجيب من دعاه من عني ودني وشريف ، ولا يحقر أحدا ، وكان يقعد تارة القرفصاء ، وتارة متربعا ، وتارة يتكئ ، وفي أكثر أوقاته محتبيا بيديه ، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن ، ويتنفس [ في الشراب ] خارج الإناء ثلاثا ، ويتكلم بجوامع الكلم ، ويعيد الكلمة ثلاثا لتفهم ، ولا يتكلم في غير حاجة ، ولا يقعد ولا يقوم إلا على ذكر الله تعالى . وركب الفرس ، والبعير ، والحمار ، والبغلة ، وأردف خلفه على ناقة ، وعلى حمار ، ولا يدع أحدا يمشي خلفه ، وعصب على بطنه الحجر من الجوع ، وفراشه من أدم حشوه ليف ، وكان متقللا من متعة الدنيا كلها ، وقد أعطاه الله مفاتيح خزائن الأرض كلها فأبى أن يأخذها ، واختار الآخرة عليها . وكان كثير
[ ص: 421 ] الذكر ، دائم الفكر ، جل ضحكه التبسم ، ويحب الطيب ، ويكره الريح المنتنة ، ويمزح ولا يقول إلا حقا ، ويقبل عذر المعتذر ، وكان كما وصفه الله تعالى :
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه [ التوبة : 129 ] الآية . وكانت معاتبته تعريضا ، ويأمر بالرفق ويحث عليه ، وينهى عن العنف ، ويحث على العفو والصفح ومكارم الأخلاق . وكان مجلسه مجلس حلم وحياء ، وأمانة وصيانة ، وصبر وسكينة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا تؤبن فيه الحرم - أي : لا تذكر فيه النساء - يتعاطفون فيه بالتقوى ويتواضعون . ويوقر الكبار ، ويرحم الصغار . وكان يتألف أصحابه ، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم ، ويتفقد أصحابه ، ولم يكن فاحشا ، ولا متفحشا ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولا يضرب خادمه ، ولا امرأة ، ولا شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، فقد جمع الله له كمال الأخلاق ، ومحاسن الشيم ، وآتاه علم الأولين والآخرين ، وما فيه النجاة والفوز ، وما لم يؤت أحدا من العالمين ، واختاره على جميع الأولين والآخرين ، صلوات الله وملائكته وأنبيائه ورسله والصالحين من عباده من أهل أرضه وسمائه عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين صلاة دائمة ما اختلف الملوان ، وتعاقب الجديدان ، وسلم وكرم ووالى وجدد وسلم .