فصل ويشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرمها وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح إذا كان بالغا عاقلا وعنه : أن المحرم من شرائط لزوم الأداء . وإن مات المحرم في الطريق ، مضت في حجها ، ولم تصر محصرة ولا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره ، ولا نذر ولا نافلة ، فإن فعل ، انصرف إلى حجة الإسلام ، وعنه : يقع ما نواه وهل يجوز لمن تعذر عليه الحج بنفسه أن يستنيب في حج التطوع ؛ على روايتين .
وأطلق على الزوج محرما ; لأن المقصود من سفر المحرم معها صيانتها ، وحفظها مع الخلوة ، والنظر ، وهو موجود فيه ( بنسب أو سبب مباح ) كرضاع ، ومصاهرة ، ووطء مباح بنكاح أو غيره ، ودخل فيه رابها ، وهو زوج أمها ، وربيبها ، وهو [ ص: 101 ] ابن زوجها ، نص عليهما ، وخرج منه الزاني ، والواطئ بشبهة فليس بمحرم لأم الموطوءة ، وابنتها ; لأن السبب غير مباح قال : في " المغني " و " الشرح " كالتحريم باللعان ، وفي " الفروع " المحرمية نعمة فاعتبر إباحة سببها كسائر الرخص ، وعنه : بلى ، واختاره في " الفصول " في وطء الشبهة لا الزنا ، لكن يستثنى ، ومرادهم بالشبهة الوطء الحرام مع الشبهة . ذكره جماعة ، كالجارية المشتركة . وظاهر كلامهم أن وطء الشبهة لا يوصف بالتحريم فيرد على إطلاقه الملاعنة فيزاد فيه سبب مباح لحرمتها ، وذكره صاحب " الوجيز " و " الآدمي " فإن تحريمها عليه عقوبة ، وتغليظ لا لحرمتها ، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية ، ولا يحتاج إلى استثنائهن لانقطاع حكمهن ، وظهر أن زوج الأخت ليس بمحرم لأختها ; لأن تحريمها ليس على التأبيد ، والعبد ليس بمحرم لسيدته ; لأنها لا تحرم أبدا ، ولا يؤمن عليها كالأجنبي ، ولا يلزم من النظر المحرمية ، وعنه : هو محرم ، وذكر في " شرح المذهب " أنه المذهب ; لأنه يباح له النظر إليها كذي محرمها ، وهو منقوض بالقواعد من النساء ، وبغير أولي الإربة ( إذا كان بالغا عاقلا ) ; لأن الصبي والمجنون لا يقومان بأنفسهما ، فكيف يخرجان مع غيرهما ، ولأن المقصود بالمحرم حفظ المرأة ، ولا يحصل ذلك منهما ، ولا وجه لقوله في " الفروع " : ذكرا ويشترط إسلامه ، نص عليه ; لأن الكافر لا يؤمن عليها كالحضانة ، وكالمجوس لاعتقاده حلها قال في " الفروع " : ويتوجه أن مثله مسلم لا يؤمن ، وأنه لا يعتبر إسلامه إن أمر عليها ، وكونه باذلا للخروج معها ولو عبدا ونفقته عليها ، نص عليه ، فيعتبر أن يملك زادا وراحلة لهما ، ولو بذلت النفقة ، لم يلزمه السفر معها [ ص: 102 ] وكانت كمن لا محرم لها إلا العبد إذا قلنا : بأنه محرم فيلزمه السفر معها ، وعنه : يلزمه لأمره - عليه السلام - الزوج بالسفر معها .
وأجيب بأنه أمر بعد حظر أو أمر تخيير فإن أراد أجره فظاهر كلامهم لا يلزمها ، ويتوجه كنفقته كما ذكروه في التغريب فدل على أنه لو تبرع لم يلزمها للمنة ، ( وعنه : أن المحرم من شرائط لزوم الأداء ) كإمكان المسير ، وتخلية الطريق ، ولوجود السبب فهو كسلامتها من مرض ، فعلى هذا يحج عنها كموت أو مرض لا يرجى برؤه ، ويلزمها أن توصي به . وظاهر الخرقي : أن المحرم شرط للوجوب دون أمن الطريق ، وسعة الوقت ، وقدمه المؤلف وغيره ، وشرطها في " الهداية " للوجوب قال المجد : والتفرقة على كلا الطريقين مشكلة ، والصحيح التسوية بين هذه الشروط إما نفيا ، وإما إثباتا .
فرع : إذا حجت بغير محرم حرم ، وأجزأ كما لو ترك حقا يلزمه من دين أو غيره لتعلقه بذمته ، ويصح من معضوب ، وأجير خدمة بأجرة أولا ، وتاجر ولا إثم ، نص على ذلك .
وأجاب القاضي بأنه أراد التلبية لقوله هذه عنك ، ولم يجز فسخ حج إلى حج ، وعنه : يقع باطلا ، اختاره أبو بكر في " الخلاف " ; لأنه لم ينو نفسه فلا يحصل له ، وغيره ممنوع من الإحرام عنه فلا يصح ، ( وعنه ) : يجوز عن غيره ، ( ويقع ما نواه ) قال القاضي : هو ظاهر نقل محمد بن ماهان فيمن عليه دين لا مال له أيحج عن غيره حتى يقضي دينه ؛ قال : نعم ; لأن الحج يدخله النيابة ، فجاز أن يؤديه من لم يسقط فرض نفسه ، كالزكاة ، وفي " الانتصار " رواية يقع عما نواه بشرط عجزه عن حجة لنفسه .
فعلى المذهب : لا ينوب من لم يسقط فرض نفسه .
[ ص: 104 ] قال في " الفروع " : ويتوجه ما قيل ينوب في نفل عبد ، وصبي ، ويحرم ، وجزم به في " الرعاية " ومتى وقع الحج للحاج لم يأخذ شيئا ، وفي " الفصول " احتمال .
إحداهما : يجوز ، جزم به في " الوجيز " وصححه في " الفروع " ; لأنها حجة لا تلزمه بنفسه فجاز أن يستنيب فيها كالمعضوب .
والثانية : لا ; لأنه قادر على الحج بنفسه ، فلم يجز له الاستنابة كالفرض ، ومحلهما : إذا أدى حجة الإسلام ، وهو قادر على الاستنابة عليها بنفسه .
أما لو كان قادرا ولم يؤد الفرض ، لم يصح أن يستنيب في التطوع ; لأنه ممنوع بنفسه فنائبه أولى ، وإذا أدى فرضه ثم عجز جازت الاستنابة فيه ; لأنه إذا جاز في الفرض فالنفل أولى ذكره في " المغني " و " الشرح " ويكفي النائب أن ينوي المستنيب ، ولا يشترط تسميته لفظا ، نص عليه ، وإن جهل اسمه أو نسبه لبى عمن سلم إليه المال ليحج به عنه .
فصل : في مخالفة النائب إذا أمره بحج فاعتمر لنفسه ، ثم حج فقال القاضي : [ ص: 105 ] لا يقع عن الآمر ، ويرد كل النفقة ; لأنه لم يؤمر به ، ونص أحمد ، واختاره المؤلف وغيره : إن أحرم من ميقات ، فلا ، ومن مكة يرد من النفقة ما بينهما ، ويلزمه دم لترك ميقات ، ومن أمر بإفراد فقرن ، لم يضمن ; لأنه زاد كبيع بأكثر مما سمى ، وقيل : هدر ، وكذا إن تمتع إلا أن يكون على العين ، وقد أمره بتأخير العمرة فيرد حصتها ، ومن أمر بتمتع فقرن ، لم يضمن ، وقال القاضي يرد نصف النفقة لفوات فضيلة التمتع ، وعمرة مفردة كإفراده ، ولو اعتمر ; لأنه أخل بها من الميقات ، ومن أمر بقران فتمتع أو أفرد فللآمر ، ويرد نفقة قدر ما تركه من إحرام النسك المتروك من الميقات ذكره في " المغني " و " الشرح " وفي " الفصول " وغيرها يرد نصف النفقة ، وأن من تمتع لا يضمن ; لأنه زاد خيرا ، وإن استنابه رجل في حج ، وآخر في عمرة ، وأذنا في القران جاز ; لأنه نسك مشروع ، وإن لم يأذنا صحا له ، وضمن الجميع لمن أمر بحج فاعتمر أو عكسه ذكره القاضي وغيره ، وفي " المغني " و " الشرح " يقع عنهما فإن أدى أحدهما رد على غير الآمر نصف نفقته وحده ; لأن المخالفة في صفته ، وإن أمر بحج فحج ، ثم اعتمر لنفسه أو بالعكس ، صح ولم يضمن شيئا ; لأنه أتى بما أمر به ، وعليه نفقة نفسه مدة مقامه لنفسه ، فإن أرادوا إقامة تمنع القصر فظاهره يخالف ما سبق ، وإن أمر بالإحرام من ميقات فأحرم قبله ، أو من غيره ، أو بلده فأحرم من ميقات ، أو في عام ، أو في شهر فخالف ، جاز ، ذكره في " المغني " و " الشرح " لإذنه فيه في الجملة .
وقال ابن عقيل : أساء لمخالفته ، وفي " الانتصار " لو نواه بخلاف ما أمره به ، وجب رد ما أخذه .
[ ص: 106 ] مسألة : يستحب أن يحج عن أبويه ، قيده بعضهم ، إن لم يحجا ، وقيل : وغيرهما ، وتقدم أمه ; لأنها أحق بالإكرام ، ويقدم واجب أبيه على نفلها ، نص عليهما ، نقل أبو طالب : يقدم دين أبيه على نفله لنفسه فأمه أولى ولكل منهما منع ، ولده من نفل لا تحليله للزومه بالشروع ، ويلزمه طاعتهما في غير معصية ، ويحرم فيها