[ المسألة الثانية ]
[
صلاة القائم خلف القاعد ]
وأما المسألة الثانية ( وهي صلاة القائم خلف القاعد ) فإن حاصل القول فيها أن العلماء اتفقوا على أنه ليس للصحيح أن يصلي فرضا قاعدا إذا كان منفردا أو إماما لقوله تعالى : (
وقوموا لله قانتين ) واختلفوا إذا كان المأموم صحيحا ، فصلى خلف إمام مريض يصلي قاعدا على ثلاثة أقوال : أحدها : أن المأموم يصلي خلفه قاعدا ، وممن قال بهذا القول
أحمد ،
وإسحاق ، والقول الثاني : أنهم يصلون خلفه قياما .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر : وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأصحابه ،
وأبو حنيفة ، وأصحابه وأهل الظاهر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وغيرهم ، وزاد هؤلاء فقالوا يصلون وراءه قياما وإن كان لا يقوى على الركوع والسجود بل يومئ إيماء .
وروى
ابن القاسم أنه لا تجوز
إمامة القاعد وأنه إن صلوا خلفه قياما أو قعودا بطلت صلاتهم ، وقد روي عن
مالك أنهم يعيدون الصلاة في الوقت ، وهذا إنما بني على الكراهة لا على المنع ، والأول هو المشهور عنه . وسبب الاختلاف تعارض الآثار في ذلك ومعارضة العمل للآثار ( أعني عمل أهل
المدينة عند
مالك ) وذلك أن في ذلك حديثين متعارضين : أحدهما حديث
أنس ، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005894وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا " وحديث
عائشة في معناه ، وهو "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005895أنه صلى - صلى الله عليه وسلم - وهو شاك جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال " إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا " والحديث الثاني حديث
عائشة "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005896أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج في مرضه الذي توفي منه ، فأتى المسجد فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس ، فاستأخر أبو بكر فأشار إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كما أنت ، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنب أبي بكر ، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر " فذهب الناس في هذين الحديثين مذهبين : مذهب النسخ ، ومذهب الترجيح . فأما من ذهب مذهب النسخ فإنهم قالوا : إن ظاهر حديث
عائشة وهو " أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يؤم الناس ، وأن
أبا بكر كان مسمعا " ; لأنه لا يجوز أن يكون إمامان في صلاة واحدة ، وأن الناس كانوا قياما ، وأن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان جالسا ، فوجب أن يكون هذا من فعله - عليه الصلاة والسلام - إذ كان آخر ما فعله ناسخا لقوله وفعله المتقدم . وأما من ذهب مذهب الترجيح فإنهم رجحوا حديث
أنس بأن قالوا إن هذا الحديث قد اضطربت
[ ص: 130 ] الرواية عن
عائشة فيه فيمن كان الإمام ، هل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو
أبو بكر ؟ . وأما
مالك فليس له مستند من السماع لأن كلا الحديثين اتفقا على جواز إمامة القاعد ، وإنما اختلفا في قيام المأموم أو قعوده ، حتى إنه قد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن حزم إنه ليس في حديث
عائشة أن الناس صلوا لا قياما ولا قعودا ، وليس يجب أن يترك المنصوص عليه لشيء لم ينص عليه . قال
أبو عمر : وقد ذكر
أبو المصعب في مختصره عن
مالك أنه قال : لا يؤم الناس أحد قاعدا ، فإن أمهم قاعدا فسدت صلاتهم وصلاته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
لا يؤمن أحد بعدي قاعدا " قال
أبو عمر وهذا حديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث لأنه يرويه
جابر الجعفي مرسلا ، وليس بحجة فيما أسند فكيف فيما أرسل ؟ وقد روى
ابن القاسم عن
مالك أنه كان يحتج بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة بن أبي عبد الرحمن " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
خرج وهو مريض ، فكان أبو بكر هو الإمام ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بصلاة أبي بكر وقال : ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته " وهذا ليس فيه حجة إلا أن يتوهم أنه ائتم
بأبي بكر ; لأنه لا تجوز صلاة الإمام القاعد ، وهذا ظن لا يجب أن يترك له النص مع ضعف هذا الحديث .