[ 2 - السجود الذي يكون للشك ]
وأما
سجود السهو الذي هو لموضع الشك : فإن الفقهاء اختلفوا فيمن شك في صلاته فلم يدر كم صلى أواحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا على ثلاثة مذاهب :
فقال قوم : يبني على اليقين وهو الأقل ولا يجزيه التحري ، ويسجد سجدتي السهو ، وهو قول
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وداود . وقال
أبو حنيفة : إن كان أول أمره فسدت صلاته ، وإن تكرر ذلك منه تحرى وعمل على غلبة الظن ثم يسجد سجدتين بعد السلام .
وقالت طائفة : إنه ليس عليه إذا شك لا رجوع إلى اليقين ولا تحر ، وإنما عليه السجود فقط إذا شك .
والسبب في اختلافهم : تعارض ظواهر الآثار الواردة في هذا الباب ، وذلك أن في هذا الباب ثلاثة آثار : أحدها : حديث البناء على اليقين ، وهو حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006000 " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك ، وليبن على ما استيقن ، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ، فإن صلى خمسا شفعن له صلاته ، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيما للشيطان " . خرجه
مسلم .
والثاني : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006001إذا سها أحدكم في صلاته فليتحر ، وليسجد سجدتين " . وفي رواية أخرى عنه : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006002فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب ، ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتي السهو ويتشهد ويسلم " .
والثالث حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة خرجه
مالك nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006003إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان ، فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى ، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس " . وفي هذا المعنى أيضا حديث
عبد الله بن جعفر ، خرجه
أبو داود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006004من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدها ويسلم " .
فذهب الناس في هذه الأحاديث مذهب الجمع ومذهب الترجيح ، والذين ذهبوا مذهب الترجيح منهم
[ ص: 168 ] من لم يلتفت إلى المعارض ، ومنهم من رام تأويل المعارض وصرفه إلى الذي رجح ، ومنهم من جمع الأمرين - أعني : جمع بعضها ورجح بعضها ، وأول غير المرجح إلى معنى المرجح - ، ومنهم من جمع بين بعضها وأسقط حكم البعض .
فأما من ذهب مذهب الجمع في بعض والترجيح في بعض مع تأويل غير المرجح وصرفه إلى المرجح :
nindex.php?page=showalam&ids=16867فمالك بن أنس ، فإنه حمل حديث
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري على الذي لم يستنكحه الشك ، وحمل حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة على الذي يغلب عليه الشك ويستنكحه ، وذلك من باب الجمع ، وتأول حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود على أن المراد بالتحري هنالك هو الرجوع إلى اليقين ، فأثبت على مذهبه الأحاديث كلها . وأما من ذهب مذهب الجمع بين بعضها وإسقاط البعض وهو الترجيح من غير تأويل المرجح عليه :
فأبو حنيفة ، فإنه قال : إن حديث
أبي سعيد إنما هو حكم من لم يكن عنده ظن غالب يعمل عليه ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود على الذي عنده ظن غالب ، وأسقط حكم حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وذلك أنه قال : ما في حديث
أبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود زيادة ، والزيادة يجب قبولها والأخذ بها ، وهذا أيضا كأنه ضرب من الجمع .
وأما الذي رجح بعضها وأسقط حكم البعض : فالذين قالوا إنما عليه السجود فقط ، وذلك أن هؤلاء رجحوا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وأسقطوا حديث
أبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، ولذلك كان أضعف الأقوال .
فهذا ما رأينا أن نثبته في هذا القسم من قسمي كتاب الصلاة ، وهو القول في الصلاة المفروضة ، فلنصر بعد إلى القول في القسم الثاني من الصلاة الشرعية ، وهي الصلوات التي ليست فروض عين .