صفحة جزء
المسألة الثانية

[ القراءة في صلاة الكسوف ]

واختلفوا في القراءة فيها ، فذهب مالك والشافعي إلى أن القراءة فيها سر . وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن وإسحاق بن راهويه : يجهر بالقراءة فيها .

[ ص: 178 ] والسبب في اختلافهم : اختلاف الآثار في ذلك بمفهومها وبصيغها ، وذلك أن مفهوم حديث ابن عباس الثابت أنه قرأ سرا لقوله فيه عنه - عليه الصلاة والسلام - : " فقام قياما نحوا من سورة البقرة " . وقد روي هذا المعنى نصا عنه أنه قال : " قمت إلى جنب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما سمعت منه حرفا " . وقد روي أيضا من طريق ابن إسحاق عن عائشة في صلاة الكسوف أنها قالت : " تحريت قراءته فحزرت أنه قرأ سورة البقرة " . فمن رجح هذه الأحاديث قال : القراءة فيها سر ، ولمكان ما جاء في هذه الآثار استحب مالك والشافعي أن يقرأ في الأولى : البقرة ، وفي الثانية : آل عمران ، وفي الثالثة : بقدر مائة وخمسين آية من البقرة ، وفي الرابعة : بقدر خمسين آية من البقرة ، وفي كل واحدة أم القرآن . ورجحوا أيضا مذهبهم هذا بما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " صلاة النهار عجماء " . ووردت هاهنا أيضا أحاديث مخالفة لهذه ، فمنها أنه روى : " أنه - عليه الصلاة والسلام - قرأ في إحدى الركعتين في صلاة الكسوف بالنجم " . ومفهوم هذا أنه جهر ، وكان أحمد وإسحاق يحتجان لهذا المذهب بحديث سفيان بن الحسن عن الزهري عن عروة عن عائشة : " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - جهر بالقراءة في كسوف الشمس " . قال أبو عمر : سفيان بن الحسن ليس بالقوي ، وقال : وقد تابعه على ذلك عن الزهري عن عبد الرحمن بن سليمان ابن كثير ، وكلهم ليس في حديث الزهري ، مع أن حديث ابن إسحاق المتقدم عن عائشة يعارضه .

واحتج هؤلاء أيضا لمذهبهم بالقياس الشبهي ، فقالوا : صلاة سنة تفعل في جماعة نهارا ، فوجب أن يجهر فيها أصله العيدان والاستسقاء ، وخير في ذلك كله الطبري ، وهي طريقة الجمع ، وقد قلنا إنها أولى من طريقة الترجيح إذا أمكنت ، ولا خلاف في هذا أعلمه بين الأصوليين

التالي السابق


الخدمات العلمية