المسألة الرابعة
[ مس الذكر ] .
مس الذكر اختلف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب : فمنهم من رأى الوضوء فيه كيفما مسه ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأصحابه ،
وأحمد ،
وداود ، ومنهم من لم ير فيه وضوءا أصلا ، وهو
أبو حنيفة وأصحابه ، ولكلا الفريقين سلف من الصحابة والتابعين .
وقوم فرقوا بين أن يمسه بحال أو لا يمسه بتلك الحال ، وهؤلاء افترقوا فيه فرقا :
[ ص: 37 ] فمنهم من فرق فيه بين أن يلتذ أو لا يلتذ .
ومنهم من فرق بين أن يمسه بباطن الكف أو لا يمسه ، فأوجبوا الوضوء مع اللذة ولم يوجبوه مع عدمها ، وكذلك أوجبه قوم مع المس بباطن الكف ولم يوجبوه مع المس بظاهرها ، وهذان الاعتباران مرويان عن أصحاب
مالك ، وكأن اعتبار باطن الكف راجع إلى اعتبار سبب اللذة .
وفرق قوم في ذلك بين العمد والنسيان ، فأوجبوا الوضوء منه مع العمد ولم يوجبوه مع النسيان ، وهو مروي عن
مالك ، وهو قول
داود وأصحابه .
ورأى قوم أن الوضوء من مسه سنة لا واجب ، قال
أبو عمر : وهذا الذي استقر من مذهب
مالك عند
أهل المغرب من أصحابه ، والرواية عنه فيه مضطربة .
وسبب اختلافهم في ذلك أن فيه حديثين متعارضين : أحدهما الحديث الوارد من طريق
بسرة أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=990043إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ " وهو أشهر الأحاديث الواردة في إيجاب الوضوء من مس الذكر ، خرجه
مالك في الموطأ ، وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ، وضعفه
أهل الكوفة ; وقد روي أيضا معناه من طريق
أم حبيبة ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل يصححه ، وقد روي أيضا معناه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12757ابن السكن أيضا يصححه ، ولم يخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ولا
مسلم .
والحديث الثاني المعارض له حديث
طلق بن علي قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006941قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده رجل كأنه بدوي ، فقال : يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد أن يتوضأ ؟ فقال : وهل هو إلا بضعة منك ؟ " خرجه أيضا
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وصححه كثير من أهل العلم الكوفيون وغيرهم ; فذهب العلماء في تأويل هذه الأحاديث أحد مذهبين : إما مذهب الترجيح أو النسخ ، وإما مذهب الجمع ، فمن رجح حديث
بسرة أو رآه ناسخا لحديث
طلق بن علي قال بإيجاب الوضوء من مس الذكر ، ومن رجح حديث
طلق بن علي أسقط وجوب الوضوء من مسه ، ومن رام أن يجمع بين الحديثين أوجب الوضوء منه في حال ولم يوجبه في حال ، أو حمل حديث
بسرة على الندب ، وحديث
طلق بن علي على نفي الوجوب . والاحتجاجات التي يحتج بها كل واحد من الفريقين في ترجيح الحديث الذي رجحه كثيرة يطول ذكرها ، وهي موجودة في كتبهم ، ولكن نكتة اختلافهم هو ما أشرنا إليه .