الفصل السابع
لماذا يحاربون ؟
فأما لماذا يحاربون ؟ فاتفق المسلمون على أن المقصود بالمحاربة لأهل الكتاب - ما عدا أهل الكتاب من قريش ونصارى العرب - هو أحد أمرين : إما الدخول في الإسلام ، وإما
إعطاء الجزية لقوله - تعالى - : (
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) .
وكذلك اتفق عامة الفقهاء على أخذها من المجوس لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006308سنوا بهم سنة أهل الكتاب " .
[ ص: 319 ] واختلفوا فيما سوى أهل الكتاب من المشركين هل تقبل منهم الجزية أم لا ؟ فقال قوم : تؤخذ الجزية من كل مشرك ، وبه قال
مالك . وقوم استثنوا من ذلك مشركي العرب . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور وجماعة : لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس .
والسبب في اختلافهم : معارضة العموم للخصوص :
أما العموم : فقوله - تعالى - : (
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) . وقوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006309أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله " .
وأما الخصوص : فقوله لأمراء السرايا الذين كان يبعثهم إلى مشركي العرب - ومعلوم أنهم كانوا من غير أهل كتاب - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006310فإذا لقيت عدوك فادعهم إلى ثلاث خصال ، فذكر الجزية فيها " وقد تقدم الحديث .
فمن رأى أن العموم إذا تأخر عن الخصوص فهو ناسخ له قال : لا تقبل الجزية من مشرك ما عدا أهل الكتاب ; لأن الآي الآمرة بقتالهم على العموم هي متأخرة عن ذلك الحديث ، وذلك أن الأمر بقتال المشركين عامة هو في سورة " براءة " ، ذلك عام الفتح ، وذلك الحديث إنما هو قبل الفتح ، بدليل دعائهم فيه للهجرة .
ومن رأى أن العموم يبنى على الخصوص تقدم أو تأخر ، أو جهل التقدم والتأخر بينهما قال : تقبل الجزية من جميع المشركين .
وأما تخصيص أهل الكتاب من سائر المشركين فخرج من ذلك العموم باتفاق بخصوص قوله - تعالى - : (
من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) . وسيأتي القول في الجزية وأحكامها في الجملة الثانية من هذا الكتاب . فهذه هي أركان الحرب .
ومما يتعلق بهذه الجملة من المسائل المشهورة : النهي عن
السفر بالقرآن إلى أرض العدو ، وعامة الفقهاء على أن ذلك غير جائز لثبوت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقال
أبو حنيفة : يجوز ذلك إذا كان في العساكر المأمونة .
والسبب في اختلافهم : هل النهي عام أريد به العام ، أو عام أريد به الخاص .