المسألة الخامسة
[ من نذر أن يجعل ماله كله في سبيل الله ]
واتفقوا على أن من
نذر أن يجعل ماله كله في سبيل الله أو في سبيل من سبل البر أنه يلزمه ، وأنه ليس ترفعه الكفارة ، وذلك إذا كان نذرا على جهة الخبر لا على جهة الشرط ، وهو الذي يسمونه يمينا .
واختلفوا فيمن نذر ذلك على جهة الشرط ; مثل أن يقول : مالي للمساكين إن فعلت كذا ففعله ; فقال قوم : ذلك لازم ، كالنذر على جهة الخبر ، ولا كفارة فيه ، وهو مذهب
مالك في النذور التي صيغها هذه الصيغة ( أعني : أنه لا كفارة فيه ) . وقال قوم : الواجب في ذلك كفارة يمين فقط ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في النذور التي مخرجها مخرج الشرط ، لأنه ألحقها بحكم الأيمان . وأما
مالك فألحقها بحكم النذور على ما تقدم من قولنا في كتاب الأيمان . والذين اعتقدوا وجوب إخراج ماله في الموضع الذي اعتقدوه ; اختلفوا في الواجب عليه :
فقال
مالك : يخرج ثلث ماله فقط .
وقال قوم : بل يجب عليه إخراج جميع ماله ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي وزفر .
وقال
أبو حنيفة : يخرج جميع الأموال التي تجب الزكاة فيها . وقال بعضهم : إن أخرج مثل زكاة ماله أجزأه .
وفي المسألة قول خامس وهو : إن كان المال كثيرا أخرج خمسه ، وإن كان وسطا أخرج سبعه ، وإن كان يسيرا أخرج عشره ، وحد هؤلاء الكثير بألفين ، والوسط بألف ، والقليل بخمسمائة ، وذلك مروي عن
قتادة .
والسبب في اختلافهم في هذه المسألة ( أعني : من قال المال كله أو ثلثه ) : معارضة الأصل في هذا الباب للأثر ، وذلك أن ما جاء في حديث
أبي لبابة بن عبد المنذر nindex.php?page=hadith&LINKID=1006353حين تاب الله عليه ، وأراد أن يتصدق بجميع ماله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجزيك من ذلك الثلث " هو نص في مذهب
مالك . وأما الأصل : فيوجب أن اللازم له إنما هو جميع ماله حملا على سائر النذر ( أعني : أنه يجب الوفاء به على الوجه الذي قصده ) لكن الواجب هو استثناء هذه المسألة مـن هذه القـاعدة ، إذ قد استثناها النص ، إلا
[ ص: 352 ] أن
مالكا قال : لم يلزم في هذه المسألة أصله ، وذلك أنه قال : إن حلف أو نذر شيئا معينا لزمه وإن كان كل ماله ، وكذلك يلزم عنده إن عين جزءا من ماله وهو أكثر من الثلث ، وهذا مخالف لنص ما رواه في حديث
أبي لبابة وفي
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006354قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي جاء بمثل بيضة من ذهب ، فقال : أصبت هذا من معدن فخذها فهي صدقة ما أملك غيرها ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جاءه عن يمينه ثم عن يساره ثم من خلفه ، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فحذفه بها ، فلو أصابه بها لأوجعه ، وقال عليه الصلاة والسلام : " يأتي أحدكم بما يملك فيقول : هذه صدقة ، ثم يقعد يتكفف الناس ، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى " وهذا نص في أنه لا يلزم المال المعين إذا تصدق به وكان جميع ماله ; ولعل
مالكا لم تصح عنده هذه الآثار . وأما سائر الأقاويل التي قيلت في هذه المسألة فضعاف ، وبخاصة من حد في ذلك غير الثلث ، وهذا القدر كاف في أصول هذا الكتاب ، والله الموفق للصواب .