الباب الثاني
في أحكام
الارتجاع في الطلاق البائن .
- والطلاق البائن : إما بما دون الثلاث : فذلك يقع في غير المدخول بها بلا خلاف ، وفي المختلعة باختلاف . وهل يقع أيضا دون عوض ؟ فيه خلاف . وحكم الرجعة بعد هذا الطلاق حكم ابتداء النكاح ( أعني : في اشتراط الصداق والولي والرضا ) ، إلا أنه لا يعتبر فيه انقضاء العدة عند الجمهور . وشذ قوم فقالوا : المختلعة لا يتزوجها زوجها في العدة ولا غيره ، وهؤلاء كأنهم رأوا منع النكاح في العدة عبادة .
وأما البائنة بالثلاث : فإن العلماء كلهم على أن
المطلقة ثلاثا لا تحل لزوجها الأول إلا بعد الوطء ، لحديث
رفاعة بن سموءل : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007032أنه طلق امرأته تميمة بنت وهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، فنكحت عبد الرحمن بن الزبير ، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها ففارقها ، فأراد رفاعة زوجها الأول أن ينكحها ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها وقال : لا تحل لك حتى تذوق العسيلة " .
وشذ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب فقال : إنه جائز أن ترجع إلى زوجها الأول بنفس العقد لعموم قوله تعالى : (
فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون ) . والنكاح ينطلق على العقد . وكلهم قال : التقاء الختانين يحلها ، إلا
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، فقال : لا تحل إلا بوطء بإنزال . وجمهور العلماء على أن الوطء الذي يوجب الحد ويفسد الصوم والحج ويحل المطلقة ويحصن الزوجين ويوجب الصداق : هو التقاء الختانين .
وقال
مالك ،
وابن القاسم : لا يحل المطلقة إلا الوطء المباح الذي يكون في العقد الصحيح في غير صوم أو حج أو حيض أو اعتكاف ، ولا يحل الذمية عندهما وطء زوج ذمي لمسلم ، ولا وطء من لم يكن بالغا . وخالفهما في ذلك كله
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، فقالوا : يحل الوطء وإن وقع في عقد فاسد ، أو وقت غير مباح . وكذلك وطء المراهق عندهم يحل ، ويحل وطء الذمي الذمية للمسلم ،
[ ص: 465 ] وكذلك المجنون عندهم ، والخصي الذي يبقى له ما يغيبه في فرج .
والخلاف في هذا كله آيل إلى : هل يتناول اسم النكاح أصناف الوطء الناقص أم لا يتناوله ؟
واختلفوا من هذا الباب في
نكاح المحلل ( أعني : إذا تزوجها على شرط أن يحللها لزوجها الأول ) : فقال
مالك : النكاح فاسد يفسخ قبل الدخول وبعده ، والشرط فاسد لا تحل به ، ولا يعتبر في ذلك عنده إرادة المرأة التحليل ، وإنما يعتبر عنده إرادة الرجل . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأبو حنيفة النكاح جائز ، ولا تؤثر النية في ذلك ، وبه قال
داود وجماعة وقالوا : هو محلل للزوج المطلق ثلاثا . وقال بعضهم : النكاح جائز والشرط باطل ( أي : ليس يحللها ) ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري .
واستدل
مالك وأصحابه بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=27وعقبة بن عامر أنه قال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007033لعن الله المحلل والمحلل له " فلعنه إياه كلعنه آكل الربا وشارب الخمر ، وذلك يدل على النهي ، والنهي يدل على فساد المنهي عنه ، واسم النكاح الشرعي لا ينطلق على النكاح المنهي عنه .
وأما الفريق الآخر : فتعلق بعموم قوله تعالى : (
حتى تنكح زوجا غيره ) وهذا ناكح ، وقالوا : وليس في تحريم قصد التحليل ما يدل على أن عدمه شرط في صحة النكاح ، كما أنه ليس النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة ، مما يدل على أن من شرط صحة الصلاة صحة ملك البقعة أو الإذن من مالكها في ذلك ، قالوا : وإذا لم يدل النهي على فساد عقد النكاح فأحرى أن لا يدل على بطلان التحليل . وإنما لم يعتبر
مالك قصد المرأة لأنه إذا لم يوافقها على قصدها لم يكن لقصدها معنى ، مع أن الطلاق ليس بيدها .
واختلفوا في : هل يهدم الزوج ما دون الثلاث ؟ فقال
أبو حنيفة يهدم . وقال
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي لا يهدم ( أعني : إذا تزوجت قبل الطلقة الثالثة غير الزوج الأول ; ثم راجعها ; هل يعتد بالطلاق الأول أم لا ؟ فمن رأى أن هذا شيء يخص الثالثة بالشرع قال : لا يهدم ما دون الثالثة عنده . ومن رأى أنه إذا هدم الثالثة فهو أحرى أن يهدم ما دونها قال : يهدم ما دون الثلاث ، والله أعلم .