باب في
بيوع الذرائع الربوية
وهاهنا شيء يعرض للمتبايعين إذا قال أحدهما للآخر بزيادة أو نقصان ، وللمتبايعين إذا اشترى أحدهما من صاحبه الشيء الذي باعه بزيادة أو نقصان وهو أن يتصور بينهما من غير قصد إلى ذلك تبايع ربوي ، مثل أن يبيع إنسان من إنسان سلعة بعشرة دنانير نقدا ، ثم يشتريها منه بعشرين إلى أجل ، فإذا أضيفت البيعة الثانية إلى الأولى استقر الأمر على أن أحدهما دفع عشرة دنانير في عشرين إلى أجل ، وهذا هو الذي يعرف ببيوع الآجال . فنذكر من ذلك مسألة في الإقالة ، ومسألة من بيوع الآجال إذ كان هذا الكتاب ليس المقصود به التفريع ، وإنما المقصود فيه تحصيل الأصول .
مسألة [ في
الإقالة ]
لم يختلفوا أن من باع شيئا ما كأنك قلت عبدا بمائة دينار مثلا إلى أجل ، ثم ندم البائع فسأل المبتاع أن
[ ص: 509 ] يصرف إليه مبيعه ، ويدفع إليه عشرة دنانير مثلا نقدا ، أو إلى أجل ، أن ذلك يجوز وأنه لا بأس بذلك ، وأن الإقالة عندهم إذا دخلتها الزيادة والنقصان هي بيع مستأنف ، ولا حرج في أن يبيع الإنسان الشيء بثمن ثم يشتريه بأكثر منه ، لأنه في هذه المسألة اشترى منه البائع الأول العبد الذي باعه بالمائة التي وجبت له وبالعشرة مثاقيل التي زادها نقدا أو إلى أجل ، وكذلك لا خلاف بينهم لو كان البيع بمائة دينار إلى أجل ، والعشرة مثاقيل نقدا أو إلى أجل . وأما إن ندم المشتري في هذه المسألة ، وسأل الإقالة على أن يعطي البائع العشرة المثاقيل نقدا أو إلى أجل أبعد من الأجل الذي وجبت فيه المائة ، فهنا اختلفوا ، فقال
مالك : لا يجوز ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يجوز; ووجه ما كره من ذلك
مالك أن ذلك ذريعة إلى قصد بيع الذهب بالذهب إلى أجل ، وإلى بيع ذهب وعرض بذهب ، لأن المشتري دفع العشرة مثاقيل ، والعبد في المائة دينار التي عليه ، وأيضا يدخله بيع وسلف كأن المشتري باعه العبد بتسعين وأسلفه عشرة إلى الأجل الذي يجب عليه قبضها من نفسه لنفسه .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فهذا عنده كله جائز لأنه شراء مستأنف ، ولا فرق عنده بين هذه المسألة وبين أن تكون لرجل على رجل مائة دينار مؤجلة ، فيشتري منه غلاما بالتسعين دينارا التي عليه ويتعجل له عشرة دنانير ، وذلك جائز بإجماع . قال : وحمل الناس على التهم لا يجوز .
وأما إن كان البيع الأول نقدا فلا خلاف في جواز ذلك ، لأنه ليس يدخله بيع ذهب بذهب نسيئة ، إلا أن
مالكا كره ذلك لمن هو من أهل العينة ( أعني : الذي يداين الناس ) ، لأنه عنده ذريعة لسلف في أكثر منه يتوصلان إليه بما أظهرا من البيع من غير أن تكون له حقيقة .