الفصل الثالث في الفرق بين ما يباع من الطعام مكيلا وجزافا .
وأما اشتراط القبض فيما بيع من الطعام جزافا ، فإن
مالكا رخص فيه وأجازه ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، ولم يجز ذلك
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . وحجتهما عموم الحديث المتضمن للنهي عن بيع الطعام قبل قبضه ، لأن الذريعة موجودة في الجزاف ، وغير الجزاف . ومن الحجة لهما ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006565 " كنا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبتاع الطعام جزافا ، فبعث إلينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواء قبل أن نبيعه " . قال
أبو عمر : وإن كان
مالك لم يرو عن
نافع في هذا الحديث ذكر الجزاف ، فقد روته جماعة وجوده
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر ، وغيره ، وهو مقدم في حفظ حديث
نافع .
وعمدة المالكية أن الجزاف ليس فيه حق توفية ، فهو عندهم من ضمان المشتري بنفس العقد ، وهذا من باب تخصيص العموم بالقياس المظنون العلة ، وقد يدخل في هذا الباب إجماع العلماء على منع بيع
[ ص: 514 ] الرجل شيئا لا يملكه ، وهو المسمى عينة عند من يرى نقله من باب الذريعة إلى الربا . وأما من رأى منعه من جهة أنه قد لا يمكنه نقله فهو داخل في بيوع الغرر .
وصورة التذرع منه إلى الربا المنهي عنه : أن يقول رجل لرجل : أعطني عشرة دنانير على أن أدفع لك إلى مدة كذا ضعفها ، فيقول له : هذا لا يصلح ، ولكن أبيع منك سلعة كذا لسلعة يسميها ليست عنده بهذا العدد ، ثم يعمد هو فيشتري تلك السلعة فيقبضها له بعد أن كمل البيع بينهما ، وتلك السلعة قيمتها قريب مما كان سأله أن يعطيه من الدراهم قرضا فيرد عليه ضعفها ، وفي المذهب في هذا تفصيل ليس هذا موضع ذكره ، ولا خلاف في هذه الصورة التي ذكرنا أنها غير جائزة في المذهب ( أعني : إذا تقارا على الثمن الذي يأخذ به السلعة قبل شرائها ) .
وأما الدين بالدين ، فأجمع المسلمون على منعه . واختلفوا في مسائل هل هي منه أم ليست منه ؟ مثل ما كان
ابن القاسم لا يجيز أن يأخذ الرجل من غريمه في دين له عليه تمرا قد بدا صلاحه ، ولا سكنى دار ، ولا جارية تتواضع ، ويراه من باب الدين بالدين . وكان أشهب يجيز ذلك ويقول : ليس هذا من باب الدين بالدين ، وإنما الدين بالدين ما لم يشرع في أخذ شيء منه ، وهو قياس عند كثير من المالكيين ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأبي حنيفة .
ومما أجازه
مالك من هذا الباب وخالفه فيه جمهور العلماء ما قاله في المدونة من أن الناس كانوا يبيعون اللحم بسعر معلوم ، والثمن إلى العطاء ، فيأخذ المبتاع كل يوم وزنا معلوما قال : ولم ير الناس بذلك بأسا ، وكذلك كل ما يبتاع في الأسواق ، وروى
ابن القاسم أن ذلك لا يجوز إلا فيما خشي عليه من الفساد من الفواكه إذا أخذ جميعه . وأما القمح وشبهه فلا ، فهذه هي أصول هذا الباب ، وهذا الباب كله إنما حرم في الشرع لمكان الغبن الذي يكون طوعا وعن علم .