فصل .
[
أخذ المشتري قيمة العيب من البائع ] .
وإذ قد قلنا إن المشتري يخير بين أن يرد المبيع ويأخذ ثمنه ، أو يمسك ولا شيء له ، فإن اتفقا على أن يمسك المشتري سلعته ويعطيه البائع قيمة العيب ، فعامة فقهاء الأمصار يجيزون ذلك ، إلا
ابن سريج من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فإنه قال : ليس لهما ذلك; لأنه خيار في مال ، فلم يكن له إسقاطه بعوض كخيار الشفعة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب : وهذا غلط; لأن ذلك حق للمشتري ، فله أن يستوفيه ( أعني : أن يرد ويرجع بالثمن ، وله أن يعاوض على تركه ) ، وما ذكره من خيار الشفعة فإنه شاهد لنا ، فإن له عندنا تركه إلى عوض يأخذه ، وهذا لا خلاف فيه .
وفي هذا الباب فرعان مشهوران من قبل التبعيض :
[ المسألة الأولى ] .
[
ظهور العيب في بعض المبيع ] .
أحدهما : هل إذا اشترى المشتري أنواعا من المبيعات في صفقة واحدة فوجد أحدها معيبا ، فهل يرجع بالجميع ، أو بالذي وجد فيه العيب ؟
[ ص: 540 ] فقال قوم : ليس له إلا أن يرد الجميع ، أو يمسك ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، إلا أن يكون قد سمى ما لكل واحد من تلك الأنواع من القيمة ، فإن هذا مما لا خلاف فيه أنه يرد المبيع بعينه فقط ، وإنما الخلاف إذا لم يسم .
وقال قوم : يرد المعيب بحصته من الثمن ، وذلك بالتقدير ، وممن قال بهذا القول
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، وغيره . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي القولان معا .
وفرق
مالك ، فقال : ينظر في المعيب ، فإن كان ذلك وجه الصفقة والمقصود بالشراء رد الجميع ، وإن لم يكن وجه الصفقة رده بقيمته .
وفرق
أبو حنيفة تفريقا آخر ، وقال : إن وجد العيب قبل القبض رد الجميع ، وإن وجده بعد القبض رد المعيب بحصته من الثمن .
ففي هذه المسألة أربعة أقوال .
فحجة من منع التبعيض في الرد : أن المردود يرجع فيه بقيمة لم يتفق عليها المشتري والبائع ، وكذلك الذي يبقى إنما يبقى بقيمة لم يتفقا عليها . ويمكن أنه لو بعضت السلعة لم يشتر البعض بالقيمة التي أقيم بها .
وأما حجة من رأى الرد في البعض المعيب ولا بد : فلأنه موضع ضرورة ، فأقيم فيه التقويم والتقدير مقام الرضا قياسا على أن ما فات في البيع فليس فيه إلا القيمة .
وأما تفريق
مالك بين ما هو وجه الصفقة ، أو غير وجهها ؟ فاستحسان منه; لأنه رأى أن ذلك المعيب إذا لم يكن مقصودا في المبيع فليس كبير ضرر في أن لا يوافق الثمن الذي أقيم به أراده المشتري أو البائع .
وأما عند ما يكون مقصودا ، أو جل المبيع فيعظم الضرر في ذلك . واختلف عنه هل يعتبر تأثير العيب في قيمة الجميع أو في قيمة المعيب خاصة ؟
وأما تفريق
أبي حنيفة بين أن يقبض أو لا يقبض ، فإن القبض عنده شرط من شروط تمام البيع ، وما لم يقبض المبيع فضمانه عنده من البائع ، وحكم الاستحقاق في هذه المسألة حكم الرد بالعيب .
[ المسألة الثانية ] .
[
ظهور العيب في صفقة اثنين يرفض أحدهما الرد ] .
وأما المسألة الثانية : فإنهم اختلفوا أيضا في رجلين يبتاعان شيئا واحدا في صفقة واحدة فيجدان به عيبا فيريد أحدهما الرجوع ، ويأبى الآخر ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لمن أراد الرد أن يرد ، وهي رواية
ابن القاسم ، عن
مالك ، وقيل : ليس له أن يرد .
فمن أوجب الرد شبهه بالصفقتين المفترقتين; لأنه قد اجتمع فيها عاقدان; ومن لم يوجبه شبهه بالصفقة الواحدة إذا أراد المشتري فيها تبعيض رد المبيع بالعيب .