بسم الله الرحمن الرحيم .
وصلى الله على سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .
كتاب الرهون .
والأصل في هذا الكتاب قوله تعالى : (
ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) .
والنظر في هذا الكتاب : في الأركان ، وفي الشروط ، وفي الأحكام .
والأركان هي النظر في الراهن ، والمرهون ، والمرتهن ، والشيء الذي فيه الرهن ، وصفة عقد الرهن .
[ القول في
الأركان ] .
الركن الأول : فأما
الراهن فلا خلاف أن من صفته أن يكون غير محجور عليه من أهل السداد ، والوصي يرهن لمن يلي النظر عليه إذا كان ذلك سدادا ، ودعت إليه الضرورة عند
مالك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يرهن لمصلحة ظاهرة ، ويرهن المكاتب والمأذون عند
مالك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : فإن ارتهن في مال أسلفه لم يجز ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
واتفق
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي على أن المفلس لا يجوز رهنه . وقال
أبو حنيفة : يجوز .
واختلف قول
مالك في
الذي أحاط الدين بماله هل يجوز رهنه ؟ ( أعني : هل يلزم أم لا يلزم ؟ ) : فالمشهور عنه أنه يجوز ( أعني : قبل أن يفلس ) ، والخلاف آيل إلى هل المفلس محجور عليه أم لا ؟ وكل من صح أن يكون راهنا صح أن يكون مرتهنا .
الركن الثاني ( وهو الرهن ) : وقالت الشافعية : يصح بثلاثة
شروط :
الأول : أن يكون عينا ، فإنه
لا يجوز أن يرهن الدين .
الثاني : أن لا يمتنع إثبات يد الراهن المرتهن عليه كالمصحف .
ومالك يجيز
رهن المصحف ، ولا يقرأ فيه المرتهن ، والخلاف مبني على البيع .
الثالث : أن تكون العين قابلة للبيع عند حلول الأجل . ويجوز عند
مالك أن يرتهن ما لا يحل بيعه في وقت الارتهان كالزرع ، والثمر لم يبد صلاحه ، ولا يباع عنده في أداء الدين إلا إذا بدا صلاحه ، وإن حل أجل الدين .
[ ص: 618 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قولان في رهن الثمر الذي لم يبد صلاحه ، ويباع عنده عند حلول الدين على شرط القطع . قال
أبو حامد : والأصح جوازه .
ويجوز عند
مالك رهن ما لم يتعين كالدنانير ، والدراهم إذا طبع عليها ، وليس من شرط الرهن أن يكون ملكا للراهن لا عند
مالك ، ولا عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، بل قد يجوز عندهما أن يكون مستعارا .
واتفقوا على أن من شرطه أن يكون إقراره في يد المرتهن من قبل الراهن . واختلفوا إذا كان قبض المرتهن له بغصب ، ثم أقره المغصوب منه في يده رهنا : فقال
مالك : يصح أن ينقل الشيء المغصوب من ضمان الغصب إلى ضمان الرهن ، فيجعل المغصوب منه الشيء المغصوب رهنا في يد الغاصب قبل قبضه منه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يجوز ، بل يبقى على ضمان الغصب إلا أن يقبضه .
واختلفوا في
رهن المشاع : فمنعه
أبو حنيفة ، وأجازه
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
والسبب في الخلاف : هل تمكن حيازة المشاع أم لا تمكن ؟
الركن الثالث ( وهو الشيء المرهون فيه ) :
وأصل مذهب
مالك في هذا أنه
يجوز أن يؤخذ الرهن في جميع الأثمان الواقعة في جميع البيوعات إلا الصرف ، ورأس المال في السلم المتعلق بالذمة ، وذلك لأن الصرف من شرطه التقابض ، فلا يجوز فيه عقدة الرهن ، وكذلك رأس مال السلم ، وإن كان عنده دون الصرف في هذا المعنى .
وقال قوم من أهل الظاهر : لا يجوز أخذ الرهن إلا في السلم خاصة ( أعني : في السلم فيه ) ، وهؤلاء ذهبوا إلى ذلك لكون آية الرهن واردة في الدين في المبيعات ، وهو السلم عندهم ، فكأنهم جعلوا هذا شرطا من شروط صحة الرهن; لأنه قال في أول الآية : (
ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ) ، ثم قال : (
وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) .
فعلى مذهب
مالك : يجوز أخذ الرهن في السلم ، وفي القرض ، وفي الغصب ، وفي قيم المتلفات ، وفي أروش الجنايات في الأموال ، وفي جراح العمد الذي لا قود فيه كالمأمومة والجائفة .
وأما قتل العمد ، والجراح التي يقاد منها فيتخرج في جواز
أخذ الرهن في الدية فيها إذا عفا الولي قولان :
أحدهما : أن ذلك يجوز ، وذلك على القول بأن الولي مخير في العمد بين الدية والقود .
والقول الثاني : أن ذلك لا يجوز ، وذلك أيضا مبني على أن ليس للولي إلا القود فقط إذا أبى الجاني من إعطاء الدية .
ويجوز في قتل الخطإ أخذ الرهن ممن يتعين من العاقلة ، وذلك بعد الحول ، ويجوز في العارية التي تضمن ، ولا يجوز فيما لا يضمن ، ويجوز أخذه في الإجارات ، ويجوز في الجعل بعد العمل ، ولا يجوز قبله ، ويجوز الرهن في المهر ، ولا يجوز في الحدود ولا في القصاص ولا في الكتابة ، وبالجملة فيما لا تصح فيه الكفالة . وقالت الشافعية :
المرهون فيه له شرائط ثلاث :
أحدها : أن يكون دينا ، فإنه لا يرهن في عين .
والثاني : أن يكون واجبا ، فإنه لا يرهن قبل الوجوب ، مثل أن يسترهنه بما يستقرضه ، ويجوز ذلك عند
مالك .
[ ص: 619 ] والثالث : أن لا يكون لزومه متوقعا أن يجب ، وأن لا يجب كالرهن في الكتابة ، وهذا المذهب قريب من مذهب
مالك .