[ أحكام العارية ]
وأما الأحكام فكثيرة ، وأشهرها
هل هي مضمونة أو أمانة ؟ فمنهم من قال : إنها مضمونة وإن قامت البينة على تلفها ، وهو قول
أشهب ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وأحد قولي
مالك ، ومنهم من قال نقيض هذا ، وهو أنها ليست مضمونة أصلا ، وهو قول
أبي حنيفة ، ومنهم من قال : يضمن فيما يغاب عليه إذا لم يكن على التلف بينة ، ولا يضمن فيما لا يغاب عليه ، ولا فيما قامت البينة على تلفه ، وهو مذهب
مالك المشهور ،
وابن القاسم وأكثر أصحابه .
وسبب الخلاف تعارض الآثار في ذلك ، وذلك أنه ورد في الحديث الثابت أنه قال - عليه الصلاة والسلام -
nindex.php?page=showalam&ids=90لصفوان بن أمية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006728بل عارية مضمونة مؤداة " ، وفي بعضها "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006729بل عارية مؤداة " ، وروي عنه أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006730ليس على المستعير ضمان " .
فمن رجح وأخذ بهذا أسقط الضمان عنه ، ومن أخذ بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية ألزمه الضمان ، ومن ذهب مذهب الجمع فرق بين ما يغاب عليه وبين ما لا يغاب عليه ، فحمل هذا الضمان على ما يغاب عليه ، والحديث
[ ص: 651 ] الآخر على ما لا يغاب عليه ، إلا أن الحديث الذي فيه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006730ليس على المستعير ضمان " غير مشهور ، وحديث
صفوان صحيح ، ومن لم ير الضمان شبهها بالوديعة ، ومن فرق قال : الوديعة مقبوضة لمنفعة الدافع ، والعارية لمنفعة القابض .
واتفقوا في الإجارة على أنها غير مضمونة ( أعني :
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبا حنيفة ومالكا ) ، ويلزم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا سلم أنه لا ضمان عليه في الإجارة أن لا يكون ضمان في العارية إن سلم أن سبب الضمان هو الانتفاع ; لأنه إذا لم يضمن حيث قبض لمنفعتهما فأحرى أن لا يضمن حيث قبض لمنفعته إذا كانت منفعة الدافع مؤثرة في إسقاط الضمان .
واختلفوا
إذا شرط الضمان ، فقال قوم : يضمن ، وقال قوم : لا يضمن ، والشرط باطل ، ويجيء على قول
مالك إذا اشترط الضمان في الموضع الذي لا يجب فيه عليه الضمان أن يلزم إجارة المثل في استعماله العارية ; لأن الشرط يخرج العارية عن حكم العارية إلى باب الإجارة الفاسدة إذا كان صاحبها لم يرض أن يعيرها إلا بأن يخرجها في ضمانه ، فهو عوض مجهول فيجب أن يرد إلى معلوم .
واختلف عن
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي إذا
غرس المستعير وبنى ثم انقضت المدة التي استعار إليها ، فقال
مالك : المالك بالخيار إن شاء أخذ المستعير بقلع غراسته وبنائه ، وإن شاء أعطاه قيمته مقلوعا إذا كان مما له قيمة بعد القلع ، وسواء عند
مالك انقضت المدة المحدودة بالشرط أو بالعرف أو العادة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إذا لم يشترط عليه القلع فليس له مطالبته بالقلع ، بل يخير المعير بأن يبقيه بأجر يعطاه ، أو ينقض بأرش ، أو يتملك ببدل ، فأيهما أراد المعير أجبر عليه المستعير ، فإن أبى كلف تفريغ الملك . وفي جواز بيعته للنقض عنده خلاف ; لأنه معرض للنقض .
فرأى
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن أخذه المستعير بالقلع دون أرش هو ظلم ، ورأى
مالك أن عليه إخلاء المحل ، وأن العرف في ذلك يتنزل منزلة الشروط ، وعند
مالك أنه إن
استعمل العارية استعمالا ينقصها عن الاستعمال المأذون فيه ضمن ما نقصها بالاستعمال .
واختلفوا من هذا الباب في الرجل يسأل جاره أن يعيره جداره ليغرز فيه خشبة لمنفعته ولا تضر صاحب الجدار ، وبالجملة في كل ما ينتفع به المستعير ولا ضرر على المعير فيه ، فقال
مالك وأبو حنيفة : لا يقضى عليه به إذ العارية لا يقضى بها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وداود وجماعة أهل الحديث : يقضى بذلك .
وحجتهم ما خرجه
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006731لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره " ، ثم يقول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : مالي أراكم عنها معرضين ، والله لأرمين بها بين أكتافكم .
واحتجوا أيضا بما رواه
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أن
nindex.php?page=showalam&ids=190الضحاك بن قيس ساق خليجا له من العريض ، فأرادوا أن يمر به في أرض
محمد بن مسلمة ، فأبى
محمد ، فقال له
الضحاك : أنت تمنعني وهو لك منفعة ، تسقي منه أولا وآخرا ولا يضرك ؟ فأبى
محمد ، فكلم فيه
الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فدعا
عمر محمد بن مسلمة ، فأمره أن يخلي سبيله ، قال
محمد : لا ، فقال
عمر : لا تمنع أخاك ما ينفعه ولا يضرك ، فقال
[ ص: 652 ] محمد : لا ، فقال
عمر : والله ليمرن به ولو على بطنك ، فأمره
عمر أن يمر به ، ففعل
الضحاك .
وكذلك حديث
عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال : كان في حائط جدي
ربيع nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف ، فأراد أن يحوله إلى ناحية من الحائط ، فمنعه صاحب الحائط ، فكلم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقضى
nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف بتحويله وقد عذل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مالكا لإدخاله هذه الأحاديث في موطئه ، وتركه الأخذ بها .
وعمدة
مالك ،
وأبي حنيفة قوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006732لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " وعند الغير أن عموم هذا مخصص بهذه الأحاديث ، وبخاصة حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وعند
مالك أنها محمولة على الندب ، وأنه إذا أمكن أن تكون مختصة وأن تكون على الندب فحملها على الندب أولى ; لأن بناء العام على الخاص إنما يجب إذا لم يمكن بينهما جمع ووقع التعارض . وروى
أصبغ عن
ابن القاسم : أنه لا يؤخذ بقضاء
عمر على
محمد بن مسلمة في الخليج ، ويؤخذ بقضائه
nindex.php?page=showalam&ids=38لعبد الرحمن بن عوف في تحويل
الربيع ، وذلك أنه رأى أن تحويل
الربيع أيسر من أن يمر عليه بطريق لم يكن قبل ، وهذا القدر كاف بحسب غرضنا .