[ القسم الثاني ]
القول في الأحكام
وهذه الأحكام منها لفظية ، ومنها حسابية ، ومنها حكمية .
فمن مسائلهم المشهورة الحكمية ، اختلافهم في حكم من
أوصى بثلث ماله لرجل وعين ما أوصى له به في ماله مما هو الثلث ، فقال الورثة : ذلك الذي عين أكثر من الثلث ، فقال
مالك : الورثة مخيرون بين أن يعطوه ذلك الذي عينه الموصي أو يعطوه الثلث من جميع مال الميت ، وخالفه في ذلك
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وأحمد ،
وداود .
وعمدتهم أن الوصية قد وجبت للموصى له بموت الموصي وقبوله إياها باتفاق ، فكيف ينقل عن ملكه ما وجب له بغير طيب نفس منه ، وتغير الوصية .
وعمدة
مالك إمكان صدق الورثة فيما ادعوه ، وما أحسن ما رأى
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر في هذه المسألة ، وذلك أنه قال : إذا ادعى الورثة ذلك كلفوا بيان ما ادعوا ، فإن ثبت ذلك أخذ منه الموصى له قدر الثلث من ذلك الشيء الموصى به وكان شريكا للورثة ، وإن كان الثلث فأقل جبروا على إخراجه .
وإذا لم يختلفوا في أن ذلك الشيء الموصى به هو فرق الثلث ، فعند
مالك أن الورثة مخيرون بين أن يدفعوا إليه ما وصى له به ، أو يفرجوا له عن جميع ثلث مال الميت ، إما في ذلك الشيء بعينه ، وإما في جميع المال على اختلاف الرواية عن
مالك في ذلك ، وقال
أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : له ثلث تلك العين ويكون بباقيه شريكا للورثة في جميع ما ترك الميت حتى يستوفي تمام الثلث .
وسبب الخلاف أن الميت لما تعدى في أن جعل وصيته في شيء بعينه ، فهل الأعدل في حق الورثة أن يخيروا بين إمضاء الوصية أو يفرجوا له إلى غاية ما يجوز للميت أن يخرج عنهم من ماله أو يبطل التعدي ويعود ذلك الحق مشتركا ، وهذا هو الأولى إذا قلنا : إن التعدي هو في التعيين لكونه أكثر من الثلث ( أعني : أن الواجب أن يسقط التعيين ) وإما أن يكلف الورثة أن يمضوا التعيين أو يتخلوا عن جميع الثلث فهو حمل عليهم .
[ ص: 670 ] ومن هذا الباب اختلافهم
فيمن وجبت عليه زكاة فمات ولم يوص بها وإذا وصى بها فهل هي من الثلث ، أو من رأس المال ؟ فقال
مالك : إذا لم يوص بها لم يلزم الورثة إخراجها ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يلزم الورثة إخراجها من رأس المال .
وإذا وصى بها ، فعند
مالك يلزم الورثة إخراجها وهي عنده من الثلث ، وهي عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الوجهين من رأس المال شبهها بالدين لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006760فدين الله أحق أن يقضى " وكذلك الكفارات الواجبة ، والحج الواجب عنده ،
ومالك يجعلها من جنس الوصايا بالتوصية بإخراجها بعد الموت ، ولا خلاف أنه لو أخرجها في الحياة أنها من رأس المال ولو كان في السياق .
وكأن
مالكا اتهمه هنا على الورثة ( أعني : في توصيته بإخراجها ) ، قال : ولو أجيز هذا لجاز للإنسان أن يؤخر جميع زكاته طول عمره إذا دنا من الموت وصى بها .
فإذا زاحمت الوصايا الزكاة قدمت عند
مالك على ما هو أضعف منها; وقال
أبو حنيفة : هي وسائر الوصايا سواء ، يريد في المحاصة .
واتفق
مالك وجميع أصحابه على أن الوصايا التي يضيق عنها الثلث إذا كانت مستوية أنها تتحاص في الثلث ، وإذا كان بعضها أهم من بعض قدم الأهم . واختلفوا في الترتيب على ما هو مسطور في كتبهم .
ومن مسائلهم الحسابية المشهورة في هذا الباب ، إذا أوصى لرجل بنصف ماله ولآخر بثلثيه ورد للورثة الزائد ، فعند
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي أنهما يقتسمان الثلث بينهما أخماسا ، وقال
أبو حنيفة : بل يقتسمان الثلث بالسوية .
وسبب الخلاف
هل الزائد على الثلث الساقط هل يسقط الاعتبار به في القسمة كما يسقط في نفسه بإسقاط الورثة ؟ فمن قال يبطل في نفسه ولا يبطل الاعتبار به في القسمة إذا كان مشاعا قال : يقتسمون المال أخماسا ، ومن قال يبطل الاعتبار به كما لو كان معينا قال : يقتسمون الباقي على السواء .
ومن مسائلهم اللفظية في هذا الباب ،
إذا أوصى بجزء من ماله وله مال يعلم به ومال لا يعلم به ، فعند
مالك أن الوصية تكون فيما علم به دون ما لم يعلم ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي تكون في المالين .
وسبب الخلاف هل اسم المال الذي نطق به يتضمن ما علم وما لم يعلم ، أو ما علم فقط ؟ والمشهور عن
مالك أن المدبر يكون في المالين إذا لم يخرج من المال الذي يعلم .
وفي هذا الباب فروع كثيرة وكلها راجعة إلى هذه الثلاثة الأجناس ، ولا خلاف بينهم أن للرجل أن يوصي بعد موته بأولاده وأن هذه خلافة جزئية كالخلافة العظمى الكلية التي للإمام أن يوصي بها .