باب
في شرب الخمر
والكلام في هذه الجناية : في الموجب ، والواجب ، وبماذا تثبت هذه الجناية ؟
فأما الموجب ، فاتفقوا على أنه
شرب الخمر دون إكراه قليلها وكثيرها واختلفوا في المسكرات من غيرها ، فقال أهل
الحجاز : حكمها
حكم الخمر في تحريمها وإيجاب الحد على من شربها قليلا كان أو كثيرا أو لم يسكر ، وقال أهل
العراق : المحرم منها هو السكر ، وهو الذي يوجب الحد . وقد ذكرنا عمدة أدلة الفريقين في كتاب الأطعمة والأشربة .
وأما الواجب فهو الحد والتفسيق إلا أن تكون التوبة ، والتفسيق في شارب الخمر باتفاق وإن لم يبلغ حد السكر ، وفيمن بلغ حد السكر فيما سوى الخمر .
واختلف الذين رأوا
تحريم قليل الأنبذة في وجوب الحد ، وأكثر هؤلاء على وجوبه ، إلا أنهم اختلفوا في
مقدار الحد الواجب ، فقال الجمهور : الحد في ذلك ثمانون ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ،
وداود : الحد في ذلك أربعون ، هذا في حد الحر . وأما حد العبد فاختلفوا فيه ، فقال الجمهور : هو على النصف من حد الحر ، وقال أهل الظاهر : حد الحر والعبد سواء ، وهو أربعون ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عشرون ، وعند من قال : ثمانون أربعون .
فعمدة الجمهور تشاور
عمر والصحابة لما كثر في زمانه شرب الخمر ، وإشارة
علي عليه بأن يجعل الحد ثمانين قياسا على حد الفرية ، فإنه كما قيل عنه - رضي الله عنه - : " إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى " .
وعمدة الفريق الثاني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحد في ذلك حدا ، وإنما كان يضرب فيها بين يديه بالنعال ضربا غير محدود ،
وأن أبا بكر - رضي الله عنه - شاور أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كم بلغ ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشراب الخمر ؟ فقدروه بأربعين " . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006861أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر بنعلين أربعين " ، فجعل
عمر مكان كل نعل سوطا . وروي من طريق آخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ما هو أثبت من هذا ، وهو : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006862أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضرب في الخمر أربعين " ، وروي هذا عن
علي عن النبي - عليه الصلاة والسلام - من طريق أثبت ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وأما من يقيم هذا الحد فاتفقوا على أن الإمام يقيمه ، وكذلك الأمر في سائر الحدود واختلفوا في إقامة السادات الحدود على عبيدهم ، فقال
مالك : يقيم السيد على عبده حد الزنى وحد القذف إذا شهد عنده
[ ص: 756 ] الشهود ، ولا يفعل ذلك بعلم نفسه ، ولا يقطع في السرقة إلا الإمام ، وبه قال :
الليث ، وقال
أبو حنيفة : لا يقيم الحدود على العبيد إلا الإمام ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يقيم السيد على عبده جميع الحدود ، وهو قول
أحمد وإسحاق ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور .
فعمدة
مالك الحديث المشهور : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006863أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، فقال : إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم بيعوها ولو بضفير " ، وقوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006864إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فاعتمد مع هذه الأحاديث ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث عنه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006865 " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " ولأنه أيضا مروي عن جماعة من الصحابة ولا مخالف لهم ، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ،
وأنس .
وعمدة
أبي حنيفة الإجماع على أن الأصل في إقامة الحدود هو السلطان . وروي عن
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز وغيرهم أنهم قالوا : الجمعة والزكاة والفيء والحكم إلى السلطان .