[ القول في شروط المسروق ]
وأما
المسروق فإن له شرائط مختلفا فيها .
فمن أشهرها : اشتراط النصاب ، وذلك أن الجمهور على اشتراطه ، إلا ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري أنه قال : القطع في قليل المسروق وكثيره ، لعموم قوله تعالى : (
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) الآية . وربما احتجوا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006868لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده " . وبه قالت
الخوارج وطائفة من المتكلمين .
والذين قالوا باشتراط النصاب في وجوب القطع - وهم الجمهور - اختلفوا في قدره اختلافا كثيرا ، إلا أن الاختلاف المشهور من ذلك الذي يستند إلى أدلة ثابتة ، وهو قولان : أحدهما : قول فقهاء
الحجاز مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهم . والثاني : قول فقهاء
العراق .
وأما فقهاء
الحجاز فأوجبوا القطع في ثلاثة دراهم من الفضة ، وربع دينار من الذهب . واختلفوا فيما تقوم به سائر الأشياء المسروقة مما عدا الذهب والفضة ، فقال
مالك في المشهور : تقوم بالدراهم لا بالربع
[ ص: 758 ] دينار ( أعني : إذا اختلفت الثلاثة دراهم مع الربع دينار لاختلاف الصرف ، مثل أن يكون الربع دينار في وقت درهمين ونصفا ) ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : الأصل في تقويم الأشياء هو الربع دينار ، وهو الأصل أيضا للدراهم فلا يقطع عنده في الثلاثة دراهم إلا أن تساوي ربع دينار . وأما
مالك : فالدنانير والدراهم عند كل واحد منهما معتبر بنفسه وقد روى بعض البغداديين عنه أنه ينظر في تقويم العروض إلى الغالب في نقود أهل ذلك البلد ، فإن كان الغالب الدراهم قومت بالدراهم ، وإن كان الغالب الدنانير قومت بالربع دينار ، وأظن أن في المذهب من يقول إن الربع دينار يقوم بالثلاثة دراهم ، وبقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في التقويم قال
nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ،
nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وداود ، وبقول
مالك المشهور قال
أحمد ( أعني : بالتقويم بالدراهم ) .
وأما فقهاء
العراق فالنصاب الذي يجب القطع فيه هو عندهم عشرة دراهم لا يجب في أقل منه . وقد قال جماعة منهم
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ،
nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة : لا تقطع اليد في أقل من خمسة دراهم ، وقد قيل : في أربعة دراهم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16542عثمان البتي : في درهمين .
فعمدة فقهاء
الحجاز ما رواه
مالك عن
نافع عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006869أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم " ، وحديث
عائشة أوقفه
مالك وأسنده
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006870تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " .
وأما عمدة فقهاء
العراق فحديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر المذكور ، قالوا : ولكن قيمة المجن هو عشرة دراهم ، وروي ذلك في أحاديث . وقد خالف
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في قيمة المجن من الصحابة كثير ممن رأى القطع في المجن
nindex.php?page=showalam&ids=11كابن عباس وغيره . وقد روى
محمد بن إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=12349أيوب بن موسى عن
عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " كان ثمن المجن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة دراهم " . قالوا : وإذا وجد الخلاف في ثمن المجن وجب أن لا تقطع اليد إلا بيقين ، وهذا الذي قالوه هو كلام حسن لولا حديث
عائشة ، وهو الذي اعتمده
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في هذه المسألة وجعل الأصل هو الربع دينار .
وأما
مالك فاعتضد عنده حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بحديث
عثمان الذي رواه ، وهو أنه قطع في أترجة قومت بثلاثة دراهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يعتذر عن حديث
عثمان من قبل أن الصرف كان عندهم في ذلك الوقت اثني عشرة درهما ، والقطع في ثلاثة دراهم أحفظ للأموال ، والقطع في عشرة دراهم أدخل في باب التجاوز والصفح عن يسير المال وشرف العضو ، والجمع بين حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وحديث
عائشة وفعل
عثمان ممكن على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وغير ممكن على مذهب غيره ، فإن كان الجمع أولى من الترجيح فمذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أولى المذاهب ، فهذا هو أحد الشروط المشترطة بالقطع .
واختلفوا من هذا الباب في فرع مشهور وهو
إذا سرقت الجماعة ما يجب فيه القطع ( أعني : نصابا ) دون أن يكون حظ كل واحد منهم نصابا ، وذلك أن يخرجوا النصاب من الحرز معا ، مثل أن يكون عدلا أو صندوقا يساوي النصاب ، فقال
مالك : يقطعون جميعا ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وقال
أبو حنيفة : لا قطع عليهم حتى يكون ما أخذه كل واحد منهم نصابا .
فمن قطع الجميع رأى العقوبة إنما تتعلق بقدر مال المسروق ( أي : أن هذا القدر من المال المسروق هو الذي يوجب القطع لحفظ المال ) ، ومن رأى أن القطع إنما علق بهذا القدر لا بما دونه لمكان حرمة اليد
[ ص: 759 ] قال : لا تقطع أيد كثيرة فيما أوجب فيه الشرع قطع يد واحدة .
واختلفوا
متى يقدر المسروق ، فقال
مالك : يوم السرقة ، وقال
أبو حنيفة : يوم الحكم عليه بالقطع .
وأما الشرط الثاني في وجوب هذا الحد فهو الحرز ، وذلك أن جميع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وأصحابهم متفقون على اشتراط الحرز في وجوب القطع ، وإن كان قد اختلفوا فيما هو حرز مما ليس بحرز . والأشبه أن يقال في حد الحرز إنه ما شأنه أن تحفظ به الأموال كي يعسر أخذها مثل الإغلاق والحظائر وما أشبه ذلك ، وفي الفعل الذي إذا فعله السارق اتصف بالإخراج من الحرز على ما سنذكره بعد . وممن ذهب إلى هذا
مالك ،
وأبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري وأصحابهم ، وقال
أهل الظاهر وطائفة من أهل الحديث : القطع على من سرق النصاب وإن سرقه من غير حرز .
فعمدة الجمهور حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006871 " لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة جبل ، فإذا أواه المراح أو الجرين فالقطع فيما بلغ ثمن المجن " . ومرسل
مالك أيضا عن
عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي بمعنى حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب .
وعمدة
أهل الظاهر عموم قوله تعالى : (
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) الآية . قالوا : فوجب أن تحمل الآية على عمومها ، إلا ما خصصته السنة الثابتة من ذلك ، وقد خصصت السنة الثابتة المقدار الذي يقطع فيه من الذي لا يقطع فيه . وردوا حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب لموضع الاختلاف الواقع في أحاديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر بن عبد البر : أحاديث
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب العمل بها واجب إذا رواها الثقات .
وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء ، مثل اتفاقهم على أن باب البيت وغلقه حرز ، واختلافهم في الأوعية . ومثل اتفاقهم على أن
من سرق من دار غير مشتركة السكنى أنه لا يقطع حتى يخرج من الدار ، واختلافهم في الدار المشتركة ، فقال
مالك وكثير ممن اشترط الحرز : تقطع يده إذا أخرج من البيت ، وقال
أبو يوسف ،
ومحمد : لا قطع عليه إلا إذا أخرج من الدار .
ومنها اختلافهم في القبر هل هو حرز حتى يجب القطع على النباش ، أو ليس بحرز ؟ فقال
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
وأحمد ، وجماعة : هو حرز ، وعلى النباش القطع ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، وقال
أبو حنيفة : لا قطع عليه ، وكذلك قال سفيان
nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري ، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت .
والحرز عند
مالك بالجملة هو كل شيء جرت العادة بحفظ ذلك الشيء المسروق فيه ، فمرابط الدواب عنده أحراز ، وكذلك الأوعية ، وما على الإنسان من اللباس ، فالإنسان حرز لكل ما عليه أو هو عنده . وإذا توسد النائم شيئا فهو حرز له على ما جاء في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=90صفوان بن أمية وسيأتي بعد ، وما أخذه من المنتبه فهو اختلاس . ولا يقطع عند
مالك سارق ما كان على الصبي من الحلي أو غيره إلا أن يكون معه حافظ يحفظه ، ومن سرق من
الكعبة شيئا لم يقطع عنده ، وكذلك من المساجد ، وقد قيل في المذهب إنه إن سرق منها ليلا قطع . وفروع هذا الباب كثيرة فيما هو حرز وما ليس بحرز .
واتفق القائلون بالحرز على أن كل من سمي مخرجا للشيء من حرزه وجب عليه القطع ، وسواء كان داخل الحرز أو خارجه . وإذا ترددت التسمية وقع الخلاف ، مثل اختلاف المذهب إذا كان
سارقان [ ص: 760 ] أحدهما داخل البيت ، والآخر خارجه ، فقرب أحدهما المتاع المسروق إلى ثقب في البيت فتناوله الآخر ، فقيل : القطع على الخارج المتناول له ، وقيل : لا قطع على واحد منهما ، وقيل : القطع على المقرب للمتاع من الثقب .
والخلاف في هذا كله آيل إلى انطلاق اسم المخرج من الحرز عليه أو لانطلاقه . فهذا هو القول في الحرز واشتراطه في وجوب القطع .
ومن رمى بالمسروق من الحرز ثم أخذه خارج الحرز فقطع ، وقد توقف
مالك فيه إذا أخذ بعد رميه وقبل أن يخرج ، وقال
ابن القاسم : يقطع .