الباب الثاني
في معرفة ما يقضى به
وأما فيما يحكم ، فاتفقوا أن
القاضي يحكم في كل شيء من الحقوق كان حقا لله أو حقا للآدميين ، وأنه نائب عن الإمام الأعظم في هذا المعنى وأنه يعقد الأنكحة ويقدم الأوصياء ، وهل يقدم الأئمة في المساجد الجامعة ؟ فيه خلاف ، وكذلك هل يستخلف ؟ فيه خلاف في المرض والسفر إلا أن يؤذن له ، وليس ينظر في الجباة ولا في غير ذلك من الولاة ، وينظر في التحجير على السفهاء عند من يرى التحجير عليهم .
ومن فروع هذا الباب هل ما يحكم فيه الحاكم نحلة للمحكوم له به ، وإن لم يكن في نفسه حلالا ؟ وذلك أنهم أجمعوا على أن
حكم الحاكم الظاهر الذي يعتريه لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ، وذلك في الأموال خاصة لقوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006882إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا ، فإنما أقطع له قطعة من النار " .
واختلفوا في حل عصمة النكاح أو عقده بالظاهر الذي يظن الحاكم أنه حق وليس بحق ، إذ لا يحل حرام ، ولا يحرم حلال بظاهر حكم الحاكم دون أن يكون الباطن كذلك هل يحل ذلك أم لا ؟ فقال الجمهور : الأموال والفروج في ذلك سواء ، لا يحل حكم الحاكم منها حراما ولا يحرم حلالا ، وذلك مثل أن يشهد شاهدا زور في امرأة أجنبية أنها زوجة لرجل أجنبي ليست له بزوجة ، فقال الجمهور : لا تحل له وإن أحلها الحاكم بظاهر الحكم ، وقال
أبو حنيفة وجمهور أصحابه : تحل له .
فعمدة الجمهور عموم الحديث المتقدم ، وشبهة الحنفية أن الحكم باللعان ثابت بالشرع ، وقد علم أن أحد المتلاعنين كاذب ، واللعان يوجب الفرقة ، ويحرم المرأة على زوجها الملاعن لها ويحلها لغيره ، فإن كان هو الكاذب فلم تحرم عليه إلا بحكم الحاكم ، وكذلك إن كانت هي الكاذبة; لأن زناها لا يوجب فرقتها على قول أكثر الفقهاء ، والجمهور أن الفرقة هاهنا إنما وقعت عقوبة للعلم بأن أحدهما كاذب .