الباب السادس
[ في وقت القضاء ]
وأما متى يقضي ؟ فمنها ما يرجع إلى حال القاضي في نفسه ، ومنها ما يرجع إلى وقت إنفاذ الحكم وفصله ، ومنها ما يرجع إلى وقت توقيف المدعى فيه وإزالة اليد عنه إذا كان عينا .
فأما متى يقضي القاضي ؟ فإذا لم يكن مشغول النفس لقوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006893لا يقضي القاضي حين يقضي وهو غضبان " ، ومثل هذا عند
مالك أن يكون عطشان أو جائعا أو خائفا أو غير ذلك من العوارض التي تعوقه عن الفهم ، لكن إذا قضى في حال من هذه الأحوال بالصواب ، فاتفقوا فيما أعلم على أنه ينفذ حكمه ، ويحتمل أن يقال : لا ينفذ فيما وقع عليه النص وهو الغضبان ; لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه .
وأما متى ينفذ الحكم عليه فبعد ضرب الأجل والإعذار إليه ، ( ومعنى نفوذ هذا : هو أن يحق حجة المدعي أو يدحضها ) .
وهل له أن يسمع حجة بعد الحكم ؟ فيه اختلاف من قول
مالك ، والأشهر أنه يسمع فيما كان حقا لله مثل الإحباس والعتق ولا يسمع في غير ذلك . وقيل : لا يسمع بعد نفوذ الحكم وهو الذي يسمى التعجيز ، قيل : لا يسمع منهما جميعا ، وقيل بالفرق بين المدعي والمدعى عليه ، وهو ما إذا أقر بالعجز .
وأما
وقت التوقيف فهو عند الثبوت وقبل الإعذار ، وهو إذا لم يرد الذي استحق الشيء من يده أن يخاصم فله أن يرجع بثمنه على البائع ، وإن كان يحتاج في رجوعه به على البائع أن يوافقه عليه فيثبت شراءه منه إن أنكره ، أو يعترف له به إن أقره فللمستحق من يده أن يأخذ الشيء من المستحق ويترك قيمته بيد المستحق ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يشتريه منه ، فإن عطب في يد المستحق فهو ضامن له .
وإن عطب في أثناء الحكم : ممن ضمانه ؟ اختلف في ذلك ، فقيل : إن عطب بعد الثبات فضمانه من المستحق ، وقيل : إنما يضمن المستحق بعد الحكم ، وأما بعد الثبت وقبل الحكم فهو من المستحق منه .
[ ص: 780 ] قال القاضي - رضي الله عنه - : وينبغي أن تعلم أن الأحكام الشرعية تنقسم قسمين : قسم يقضي به الحكام ، وجل ما ذكرناه في هذا الكتاب هو داخل في هذا القسم ، وقسم لا يقضي به الحكام ، وهذا أكثره هو داخل في المندوب إليه . وهذا الجنس من الأحكام هو مثل رد السلام وتشميت العاطس وغير ذلك مما يذكره الفقهاء في أواخر كتبهم التي يعرفونها بالجوامع .
ونحن فقد رأينا أن نذكر أيضا من هذا الجنس المشهور منه إن شاء الله تعالى . وما ينبغي قبل هذا أن تعلم أن
السنن المشروعة العملية المقصود منها هو الفضائل النفسانية .
فمنها ما يرجع إلى تعظيم من يجب تعظيمه وشكر من يجب شكره ، وفي هذا الجنس تدخل العبادات ، وهذه هي السنن الكرامية .
ومنها ما يرجع إلى الفضيلة التي تسمى عفة وهذه صنفان : السنن الواردة في المطعم والمشرب ، والسنن الواردة في المناكح .
ومنها ما يرجع إلى طلب العدل والكف عن الجور . فهذه هي أجناس السنن التي تقتضي العدل في الأموال ، والتي تقتضي العدل في الأبدان ، وفي هذا الجنس يدخل القصاص والحروب والعقوبات ; لأن هذه كلها إنما يطلب بها العدل .
ومنها السنن الواردة في الأعراض .
ومنها السنن الواردة في جميع الأموال وتقويمها ، وهي التي يقصد بها طلب الفضيلة التي تسمى السخاء ، وتجنب الرذيلة التي تسمى البخل . والزكاة تدخل في هذا الباب من وجه ، وتدخل أيضا في باب الاشتراك في الأموال ، وكذلك الأمر في الصدقات .
ومنها سنن واردة في الاجتماع الذي هو شرط في حياة الإنسان وحفظ فضائله العملية والعلمية ، وهي المعبر عنها بالرياسة ، ولذلك لزم أيضا أن تكون سنن الأئمة والقوام بالدين .
ومن السنة المهمة في حين الاجتماع السنن الواردة في المحبة والبغضة والتعاون على إقامة هذه السنن ، وهو الذي يسمى : النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، وهي المحبة والبغضة ( أي : الدينية ) التي تكون إما من قبل الإخلال بهذه السنن ، وإما من قبل سوء المعتقد في الشريعة .
وأكثر ما يذكر الفقهاء في الجوامع من كتبهم ما شذ عن الأجناس الأربعة التي هي فضيلة العفة ، وفضيلة العدل ، وفضيلة الشجاعة ، وفضيلة السخاء ، والعبادة التي هي كالشروط في تثبيت هذه الفضائل .
كمل كتاب الأقضية ، وبكماله كمل جميع الديوان ، والحمد لله كثيرا على ذلك كما هو أهله .