صفحة جزء
الباب الخامس

في صفة إزالتها .

وأما الصفة التي بها تزول فاتفق العلماء على أنها غسل ومسح ونضح ، لورود ذلك في الشرع ، وثبوته في الآثار .

واتفقوا على أن الغسل عام لجميع أنواع النجاسات ولجميع محال النجاسات ، وأن المسح بالأحجار يجوز في المخرجين ، ويجوز في الخفين ، وفي النعلين من العشب اليابس ، وكذلك ذيل المرأة الطويل اتفقوا على أن طهارته هي على ظاهر حديث أم سلمة من العشب اليابس ، واختلفوا من ذلك في ثلاثة مواضع هي أصول هذا الباب : أحدها : في النضح لأي نجاسة هو . والثاني : في المسح لأي محل هو ، ولأي نجاسة هو بعد أن اتفقوا على ما ذكرناه . والثالث : اشتراط العدد في الغسل والمسح .

أما النضح : فإن قوما قالوا : هذا خاص بإزالة بول الطفل الذي لم يأكل الطعام ، وقوم فرقوا بين بول الذكر في ذلك والأنثى ، فقالوا : ينضح بول الذكر ويغسل بول الأنثى ، وقوم قالوا : الغسل طهارة ما يتيقن بنجاسته ، والنضح طهارة ما شك فيه ، وهو مذهب مالك بن أنس رضي الله عنه .

وسبب اختلافهم : تعارض ظواهر الأحاديث في ذلك ، ( أعني اختلافهم في مفهومها ) ، وذلك أن ههنا حديثين ثابتين في النضح : أحدهما : حديث عائشة : " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يؤتى بالصبيان ، فيبرك عليهم ويحنكهم ، فأتي بصبي فبال عليه ، فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله " وفي بعض رواياته " فنضحه ولم يغسله " خرجه البخاري والآخر حديث أنس المشهور حين وصف صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته قال : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبث ، فنضحته بالماء .

فمن الناس من صار إلى العمل بمقتضى حديث عائشة .

وقال : هذا خاص ببول الصبي ، واستثناه من سائر البول . ومن الناس من رجح الآثار الواردة في الغسل على هذا الحديث ، وهو مذهب مالك ، ولم ير النضح إلا الذي في حديث أنس ، وهو الثوب المشكوك فيه على ظاهر مفهومه . وأما الذي فرق في ذلك بين بول الذكر والأنثى ، فإنه اعتمد على ما رواه أبو داود عن أبي السمح من قوله - عليه الصلاة والسلام - : " يغسل بول الجارية ، ويرش بول الصبي " ، وأما من لم يفرق فإنما اعتمد قياس الأنثى على الذكر الذي ورد فيه الحديث الثابت .

[ ص: 75 ] وأما المسح : فإن قوما أجازوه في أي محل كانت النجاسة إذا ذهب عينها على مذهب أبي حنيفة ، وكذلك الفرك على قياس من يرى أن كل ما أزال العين فقد طهر ، وقوم لم يجيزوه إلا في المتفق عليه ، وهو المخرج ، وفي ذيل المرأة وفي الخف ، وذلك من العشب اليابس لا من الأذى غير اليابس وهو مذهب مالك ، وهؤلاء لم يعدوا المسح إلى غير المواضع التي جاءت في الشرع ، وأما الفريق الآخر فإنهم عدوه .

والسبب في اختلافهم في ذلك هل ما ورد من ذلك رخصة أو حكم ؟ فمن قال رخصة لم يعدها إلى غيرها : ( أعني : لم يقس عليها ) ، ومن قال هو حكم من أحكام إزالة النجاسة كحكم الغسل عداه .

وأما اختلافهم في العدد : فإن قوما اشترطوا الإنقاء فقط في الغسل والمسح ، وقوم اشترطوا العدد في الاستجمار وفي الغسل ، والذين اشترطوه في الغسل منهم من اقتصر على المحل الذي ورد فيه العدد في الغسل بطريق السمع ، ومنهم من عداه إلى سائر النجاسات ، أما من لم يشترط العدد لا في غسل ولا في مسح فمنهم مالك وأبو حنيفة ، وأما من اشترط في الاستجمار العدد ( أعني ثلاثة أحجار لا أقل من ذلك ) فمنهم الشافعي وأهل الظاهر ، وأما من اشترط العدد في الغسل واقتصر به على محله الذي ورد فيه وهو غسل الإناء سبعا من ولوغ الكلب ، فالشافعي ومن قال بقوله . وأما من عداه واشترط السبع في غسل النجاسات ففي أغلب ظني أن أحمد بن حنبل منهم .

وأبو حنيفة يشترط الثلاثة في إزالة النجاسة الغير محسوسة العين ( أعني الحكمية ) .

وسبب اختلافهم في هذا تعارض المفهوم من هذه العبادة لظاهر اللفظ في الأحاديث التي ذكر فيها العدد ، وذلك أن من كان المفهوم عنده من الأمر بإزالة النجاسة إزالة عينها لم يشترط العدد أصلا ، وجعل العدد الوارد من ذلك في الاستجمار في حديث سلمان الثابت الذي فيه الأمر أن لا يستنجي بأقل من ثلاثة أحجار على سبيل الاستحباب حتى يجمع بين المفهوم من الشرع والمسموع من هذه الأحاديث ، وجعل العدد المشترط في غسل الإناء من ولوغ الكلب عبادة لا لنجاسة كما تقدم من مذهب مالك .

وأما من صار إلى ظواهر هذه الآثار واستثناها من المفهوم فاقتصر بالعدد على هذه المحال التي ورد العدد فيها ، وأما من رجح الظاهر على المفهوم فإنه عدى ذلك إلى سائر النجاسات .

وأما حجة أبي حنيفة في الثلاثة فقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في إنائه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية