الفصل الثاني من الباب الأول
في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها .
وهذه الأوقات اختلف العلماء منها في موضعين : أحدهما : في عددها .
[ ص: 88 ] والثاني : في الصلوات التي يتعلق النهي عن فعلها فيها . .
المسألة الأولى
[
عدد الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ]
اتفق العلماء على أن ثلاثة من الأوقات منهي عن الصلاة فيها وهي : وقت طلوع الشمس ، ووقت غروبها ، ومن لدن تصلى صلاة الصبح حتى تطلع الشمس .
واختلفوا في وقتين : في وقت الزوال ، وفي
الصلاة بعد العصر ; فذهب
مالك وأصحابه إلى أن الأوقات المنهي عنها هي أربعة : الطلوع ، والغروب ، وبعد الصبح ، وبعد العصر ، وأجاز
الصلاة عند الزوال ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى أن هذه الأوقات خمسة كلها منهي عنها إلا وقت الزوال يوم الجمعة فإنه أجاز فيه الصلاة ، واستثنى قوم من ذلك الصلاة بعد العصر .
وسبب الخلاف في ذلك أحد شيئين : إما معارضة أثر لأثر ، وإما معارضة الأثر للعمل عند من راعى العمل : ( أعني عمل
أهل المدينة ) وهو
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس ، فحيث ورد النهي ولم يكن هناك معارض لا من قول ولا من عمل اتفقوا عليه ، وحيث ورد المعارض اختلفوا .
أما اختلافهم في وقت الزوال فلمعارضة العمل فيه للأثر ، وذلك أنه ثبت من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر الجهني أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005761ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل ، وحين تضيف الشمس للغروب " خرجه
مسلم ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=5152أبي عبد الله الصنابحي في معناه ، ولكنه منقطع ، خرجه
مالك في موطئه .
فمن الناس من ذهب إلى منع الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة كلها ، ومن الناس من استثنى من ذلك وقت الزوال ، إما بإطلاق وهو
مالك ، وإما في يوم الجمعة فقط وهو
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وأما
مالك فلأن العمل عنده
بالمدينة لما وجده على الوقتين فقط ولم يجده على الوقت الثالث : ( أعني الزوال ) أباح الصلاة فيه ، واعتقد أن ذلك النهي منسوخ بالعمل .
وأما من لم ير للعمل تأثيرا ، فبقي على أصله في المنع ، وقد تكلمنا في العمل وقوته في كتابنا في الكلام الفقهي ، وهو الذي يدعى بأصول الفقه .
وأما
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فلما صح عنده ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن
ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة حتى يخرج
عمر ، ومعلوم أن خروج
عمر كان بعد الزوال على ما صح ذلك من حديث الطنفسة التي كانت تطرح إلى جدار المسجد الغربي ، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب مع ما رواه أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005762نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة " استثنى من ذلك النهي يوم الجمعة ، وقوى هذا الأثر عنده العمل في أيام
عمر بذلك ، وإن كان الأثر عنده ضعيفا .
وأما من رجح الأثر الثابت في ذلك ، فبقي على أصله في النهي .
[ ص: 89 ] وأما اختلافهم في الصلاة بعد صلاة العصر فسببه تعارض الآثار الثابتة في ذلك ، وذلك أن في ذلك حديثين متعارضين : أحدهما : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المتفق على صحته " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005763نهى عن الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس " .
والثاني : حديث
عائشة قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005764ما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاتين في بيتي قط سرا ولا علانية : ركعتين قبل الفجر ، وركعتين بعد العصر " فمن رجح حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال بالمنع ، ومن رجح حديث
عائشة أو رآه ناسخا ; لأنه العمل الذي مات عليه - صلى الله عليه وسلم - قال بالجواز ، وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة يعارض حديث
عائشة ، وفيه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005765أنها رأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي ركعتين بعد العصر ، فسألته عن ذلك فقال : إنه أتاني ناس من عبد القيس ، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان " .