لنا : القطع بجواز قول السيد لعبده : افعل اليوم كذا ، في أي جزء شئت منه ، وأنت مطيع إن فعلت ، وعاص إن خرج اليوم ولم تفعل ، وأيضا ، النص قيد الوجوب بجميع الوقت ، فتخصيص بعضه بالإيجاب تحكم .
قالوا : جواز الترك في بعض الوقت ينافي الوجوب فيه ، فدل على اختصاص الوجوب بالجزء الذي لا يجوز الترك فيه ، وهو آخره ، وجواز تقديم الفعل عليه رخصة ، كتعجيل الزكاة .
قلنا : مع اشتراط العزم على الفعل ، لا نسلم منافاة الترك الوجوب .
قالوا : لا دليل في النص على وجوب العزم ، فإيجابه زيادة على النص .
قلنا : ما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب ، وأيضا ، لما حرم العزم على ترك الطاعة ، حرم ترك العزم عليها ، وفعل ما يحرم تركه واجب ، ومحذور الزيادة على النص ، كونه نسخا عندكم ، ونحن نمنعه .
" لنا : القطع بجواز قول السيد لعبده : افعل اليوم كذا " مثل أن قال : ابن لي هذا الحائط ، أو خط لي هذا الثوب " في أي جزء شئت منه وأنت مطيع إن فعلت ، وعاص إن خرج اليوم ولم تفعل " فإن كان الإنكار لجوازه عقلا ، فهذا دليل العقل قاطع في جوازه ، وإن كان الإنكار له شرعا ، فدليل الشرع قد دل عليه " أيضا " وذلك لأن " النص قيد الوجوب بجميع الوقت " في قوله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل [ الإسراء : 78 ] ، وقوله سبحانه وتعالى : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها [ طه : 130 ] ، وقوله - عليه السلام - للأعرابي حين سأله عن مواقيت الصلاة فبين له بفعله في اليومين ، ثم قال له : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022034الوقت ما بين [ ص: 315 ] هذين يعني : ما بين أول الوقت وآخره كما دل عليه الحديث ، وإذا قيد النص الوجوب بجميع الوقت " فتخصيص بعضه " بأنه وقت الوجوب " تحكم " على النص بالتخصيص .
" قالوا : جواز الترك " إلى آخره . هذا حجة من أنكر الموسع ، وهو أن جواز ترك الفعل في بعض الوقت ينافي وجوبه فيه ، لأن الواجب في زمن لا يجوز تركه فيه ، وإلا لكان الواجب غير واجب ، وهو محال ، فدل ذلك على اختصاص وجوب الفعل بالجزء الذي لا يجوز تركه فيه من الوقت ، وهو آخره .
وأما جواز تقديم الفعل على آخر الوقت كفعل الصلوات في أول أوقاتها فهو رخصة ، كتعجيل الزكاة قبل تمام الحول ، العام والعامين ، وتقديم الصلاة الثانية إلى وقت الأولى بالجمع .
" قلنا : مع اشتراط العزم " إلى آخره ، أي : قلنا : جواز الترك في بعض الوقت ينافي الوجوب فيه ، مع اشتراط العزم على الفعل في آخره ، أو مع عدم اشتراطه .
الأول : ممنوع ، فإنا لا نسلم أن مع اشتراط العزم ، ينافي ترك الفعل في بعض الوقت وجوبه فيه ، لأن الترك إنما ينافي الوجوب إذا خلا الوقت من الواجب أو بدله ، ومع اشتراط العزم لم يخل الوقت منهما ، لأن تعجيل الفعل في أول الوقت وإن فات ، لكن بدله - وهو العزم - لم يفت .
والثاني : وهو جواز الترك مع عدم اشتراط العزم ، مسلم أنه ينافي الوجوب ، لكنا [ ص: 316 ] لا نقول به .
" قالوا : لا دليل في النص " إلى آخره ، هذا منع لاشتراط العزم على الفعل .
وتقريره ، أنه لا دليل في النص على وجوب العزم على الفعل في آخر الوقت إذا ترك في أوله ، لأن النصوص المذكورة في المواقيت إنما دلت على إيقاع العبادة في الوقت ، فإيجاب العزم زيادة على النص ، فيحتاج إلى دليل .
" قلنا " يعني في الدلالة على اشتراط العزم ، وذلك من وجهين :
أما الأولى : فسيأتي تقريرها في مكانها إن شاء الله تعالى .
وأما الثانية : فتقرر ببيان الوجه الثاني ، وهو أنه " لما حرم العزم على ترك الطاعة ، حرم ترك العزم عليها " فكما يحرم عليه أن يعزم على ترك الصلاة عند دخول وقتها ، يحرم عليه أن يترك الآن العزم على فعلها إذا دخل وقتها ، لأن التكليف الشرعي متوجه إلى الأبدان بالأفعال ، وإلى القلوب بالنيات والعزائم ، ولأن ترك العزم على الطاعة تهاون بأمر الشرع ، فيكون حراما وإذا حرم ترك العزم على الطاعة ، كان العزم عليها واجبا ، لأن " فعل ما يحرم تركه واجب " والحرام يجب تركه ، [ ص: 317 ] ولا يمكن تركه إلا بفعل ضده ، والحرام هنا ترك العزم ، فيكون تركه بفعل العزم واجبا ، وهو المطلوب .
قوله : " ومحذور الزيادة على النص " إلى آخره ، هذا جواب عن قولهم : إيجاب العزم زيادة على النص ، ومعنى الجواب : أنه إن كان زيادة على النص ، فإنه لا يضرنا ، لأن المحذور منه كون الزيادة على النص نسخا ، وهو غير جائز عندكم ، ونحن نمنع ذلك ، كما سيأتي في كتاب النسخ إن شاء الله تعالى .
أحدها : أن المكلف إما أن يعزم على ترك العبادة في وقتها ، فيكون عاصيا ، أو على فعلها ، فيكون مطيعا ، أو لا على تركها ولا فعلها ، وهذه الحال واسطة بين طرفين ، فلم قلتم : إنها حرام ، مع أن ترك العزم على الصلاة يساوي العزم على تركها ؟
والجواب عن هذا ، قد لاح مما سبق ونزيده إيضاحا بطريق آخر ، وهو أن العزم على العبادة من أسباب إيقاعها ، وإيقاعها واجب ، وسبب الواجب واجب ، وإنما قلنا : إن العزم عليها من أسباب إيقاعها ، لأن سبب الفعل ما توصل به إليه ، وأعان عليه . والعزم على العبادة يتوصل به إليها ، ويعين عليها ، فيكون من أسبابها ، فيكون واجبا .
ثم إن لنا منع تصور الواسطة المذكورة ، وذلك لأن الشخص إن كان ساهيا [ ص: 318 ] أو غافلا ، فليس مكلفا ، وإن كان ذاكرا متيقظا عالما بأنه مخاطب بالصلاة ، فهذا لا يخلو من قصد يتعلق بها ، فإما أن يتعلق قصده بأن يفعلها في آخر الوقت ، أو بأن لا يفعلها ، والواسطة التي وسطتموها مبنية على صلاة من قصد ، وهو ممنوع .
السؤال الثاني : أن العزم إما أن يكون بدلا عن أصل الفعل ، أو عن تعجيله ، فإن كان بدلا عن الفعل ، لزم سقوطه بالكلية ، وأن لا يجب فعله آخر الوقت ، لئلا يجتمع البدل والمبدل ، وإن كان بدلا عن تعجيل الفعل ، فقد صار مخيرا بين تعجيله وتأخيره مع العزم على فعله آخر الوقت ، فاستحالت المسألة ، وانتقلت إلى مسألة الواجب المخير ، وزال الواجب الموسع بالكلية ، وصارت المسألتان واحدة .
والجواب : أن العزم بدل عن تعجيل الفعل ، لا عن أصله ، وهو مخير بين التعجيل ، والتأخير مع العزم ، وذلك لا يقتضي زوال الواجب الموسع بالكلية ، ولا ينافيه ، بل الواجب الموسع ثابت ، وله نظر إلى المخير من هذا الوجه ، وتعلق به .
أو نقول : هو موسع من وجه ، مخير من وجه ، وإذا ثبت التخيير ، انبنى عليه التوسيع . وسنبين إن شاء الله تعالى أن بين الموسع والمخير وفرض الكفاية قدرا مشتركا ، تصير جميعها من جهته من باب واحد .
السؤال الثالث : أن وجوب العزم على فعل الطاعات من أحكام الإيمان العامة ، لا من خصائص الواجب الموسع .
والجواب : أن هذا لا ينفي اشتراطه وبدليته في الواجب الموسع إما من [ ص: 319 ] الجهة العامة ، وهي جهة كون الواجب إيمانا ، أو من أعمال الإيمان ، أو من الجهة الخاصة ، وهي كونه شرطا ، وبدلا في الموسع ، ويكون ثبوته بشيئين : عام وخاص .