ما لا يتم الواجب إلا به ، إما غير مقدور للمكلف ، كالقدرة واليد في الكتابة ، وحضور الإمام والعدد في الجمعة ، فليس بواجب ، إلا على تكليف المحال . أو مقدور ، فإن كان شرطا ، كالطهارة للصلاة ، والسعي إلى الجمعة ، فهو واجب إن لم يصرح بعدم إيجابه ، وإلا لم يكن شرطا .
" المسألة الرابعة "
من مسائل الواجب : فيما لا يتم الواجب إلا به ، وقبل الشروع في الكلام على مسألة " المختصر " ، نذكر تحقيقا ، وهو أن ما يتوقف عليه وجوب الواجب ، فلا يجب إجماعا ، سواء كان سببا ، أو شرطا ، أو انتفاء مانع .
فالسبب ، كالنصاب ، يتوقف عليه وجوب الزكاة ، فلا يجب تحصيله على المكلف ، لتجب عليه الزكاة .
والشرط ، كالإقامة ، هي شرط لوجوب أداء الصوم ، فلا يجب تحصيلها إذا عرض مقتضى السفر ، ليجب عليه فعل الصوم .
والمانع ، كالدين ، لا يجب نفيه لتجب الزكاة .
وأما ما يتوقف عليه إيقاع الواجب ، فالنزاع في هذه المسألة فيه .
قوله : " ما لا يتم الواجب إلا به إما غير مقدور للمكلف " إلى آخره ، معناه : أن ما لا يتم الواجب إلا به ضربان :
أحدهما : غير مقدور للمكلف ، أي : ليس في قدرته ووسعه وطاقته تحصيله ، ولا هو إليه ، كالقدرة واليد في الكتابة ، فإنهما شرط فيها ، وهما مخلوقان لله تعالى [ ص: 336 ] والمكلف ، لا قدرة له على إيجادهما . وحضور الإمام والعدد المشترط للجمعة في الجمعة ، فإنهما شرط لها ، وليس إلى آحاد المكلفين بالجمعة إحضار الخطيب ليصلي الجمعة ، ولا إحضار آحاد الناس ليتم بهم العدد ، فهذا الضرب غير واجب إلا على القول بتكليف المحال ، لأنه فرد من أفراده ، لأن من قيل له : أوجبنا عليك أن تعمل لنفسك قدرة ويدا ، ثم تكتب ، فقد كلف محالا بالنسبة إليه ، وهذا الضرب هو من قبيل الشروط التي لا يجب تحصيلها كما سبق ، لأن اليد والقدرة شرطان لصحة الكتابة عقلا ، وحضور الإمام والعدد شرط لصحة الجمعة شرعا .
الضرب الثاني : ما هو مقدور للمكلف ، ثم هو إما أن يكون شرطا لوقوع الفعل ، أو غير شرط ، فإن كان شرطا كالطهارة وسائر الشروط للصلاة ، وكالسعي إلى الجمعة ، فإن صرح بعدم إيجابه ، كقوله : صل ، ولا أوجب عليك الوضوء ، لم يجب عملا بموجب التصريح ، وإن صرح بإيجابه ، وجب لذلك ، وإن لم يصرح بإيجاب ولا عدمه ، بل أطلق ، وجب أيضا عندنا ، وهو قول الأشعرية والمعتزلة .
وقال بعض الناس : لا يجب ، وإلى التقسيم المذكور أشرت . فهو واجب إن لم يصرح بعدم إيجابه ، فدخل في ذلك القسمان الأخيران ، وهو ما إذا صرح بالإيجاب أو أطلق .
قوله : " وإلا لم يكن شرطا " هو دليل الوجوب .
وتقريره : أن الشرط الذي يتوقف عليه وقوع الواجب لو لم يجب ، لم يكن شرطا للواجب ، لكنه شرط له ، فيكون واجبا .
أما الملازمة ، فلأن الوجوب من لوازم الشرط ، لأن كل شرط في شيء فهو واجب له . وأما بيان أن هذا المتنازع فيه شرط ، فلأن الفرض أنه شرط ، وإذا كان شرطا ، كان واجبا ، لما بينا من أن الواجب لازم للشرط ، ووجود الملزوم - الذي هو الشرط [ ص: 337 ] هنا - يوجب وجود اللازم - الذي هو الواجب - ، وإلا لم يكن هذا المتنازع فيه شرطا ، والفرض أنه شرط . هذا خلف .
وتلخيص الدليل : لو لم يكن شرط الفعل واجبا ، لما كان شرطا ، وقد فرضناه شرطا ، هذا تناقض .