الندب لغة : الدعاء إلى الفعل ، وشرعا : ما أثيب فاعله ، ولم يعاقب تاركه مطلقا ، وقيل : مأمور به ، يجوز تركه ، لا إلى بدل . وهو مرادف السنة والمستحب ، وهو مأمور به ، خلافا للكرخي والرازي .
لنا : ما تقدم من قسمة الأمر إلى إيجاب وندب . ومورد القسمة مشترك ، ولأنه طاعة ، وكل طاعة مأمور بها .
قوله : " الندب لغة " ، أي : في اللغة " الدعاء إلى الفعل " . قال الجوهري : ندبه للأمر ، فانتدب له ، أي : دعاه له ، فأجاب . وأنشد الشيخ أبو محمد شاهدا على ذلك قول الشاعر الحماسي :
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي : الندب في اللغة ، هو الدعاء إلى أمر مهم ، وهو أخص مما ذكرناه ، وهو أنسب وأشهر في كلام العرب وأغلب ، وعليه يحمل عموم كلام غيره .
والندب في الأصل : مصدر ندبه يندبه ندبا ، والمفعول مندوب ، وهو المراد هاهنا ، لأنه المقابل ، ويقال له : ندب ، إطلاقا للمصدر على المفعول مجازا .
قوله : " وشرعا " أي : والندب في الشرع : " ما أثيب فاعله ولم يعاقب تاركه " .
فالأول جنس يشمل الواجب والندب - أعني المندوب - ، والثاني : وهو قولنا : ولم يعاقب تاركه ، فصل له عن الواجب ، لأن الواجب يعاقب تاركه . [ ص: 354 ]
" وقيل : مأمور به " أي : وقيل في المندوب تعريف آخر ، وهو أنه مأمور به " يجوز تركه لا إلى بدل " فقولنا : مأمور به . جنس يتناوله والواجب ، لأنه قسيمه على ما مر وسيأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى .
وقولنا : يجوز تركه : هو أعم من أن يكون تركه مطلقا ، أو إلى بدل ، فيتناول الواجب الموسع والمخير وفرض الكفاية ، لأن جميعها مأمور به يجوز تركه ، لكن إلى بدل ، كما سبق تحقيقه . فبقولنا : لا إلى بدل ، خرجت هذه الثلاثة ونحوها .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي : المندوب هو المطلوب فعله شرعا ولا ذم على تركه مطلقا .
وقال القرافي : هو ما رجح فعله على تركه شرعا من غير ذم . والأقوال الثلاثة متقاربة .
قوله : " وهو " يعني المندوب " مرادف السنة ، والمستحب " ، أي : هو مساويهما في الحد والحقيقة ، وإنما اختلفت الألفاظ ، والمترادف هو اللفظ المتعدد لمسمى واحد ، كالأسد والغضنفر ، والمدام والخمر ، والحرام والمحظور ، والمندوب والسنة والمستحب . فالسواك والمبالغة في المضمضة والاستنشاق وتخليل الأصابع ونحوه ، يقال له : مندوب ومستحب .
قوله : " وهو " يعني المندوب " مأمور به خلافا للكرخي " من الحنفية " و " أبي بكر " الرازي . لنا " أي على أن المندوب مأمور به " ما تقدم من قسمة الأمر إلى إيجاب وندب ، ومورد القسمة مشترك " ، وهذا إشارة إلى ما ذكرناه في قسمة الأحكام إلى خمسة ، وهو أن الخطاب إما أن يرد باقتضاء الفعل أو تركه ، واقتضاء الفعل هو طلبه والأمر به ، ثم الأمر إما مع الجزم ، وهو الإيجاب ، أو لا مع الجزم ، وهو الندب .
فقد انقسم الأمر إلى إيجاب وندب . وكل شيء قسم أقساما ، فاسم ذلك الشيء [ ص: 355 ] صادق على كل واحد من تلك الأقسام ، كما إذا قلنا : الحيوان إما ناطق أو غير ناطق كالفرس والشاة والطائر ، فاسم الحيوان صادق على الجميع ، فكل واحد من هذه يسمى حيوانا ، فكذلك الأمر يصدق على الواجب والندب ، فهذا معنى قولنا : مورد القسمة مشترك بين أقسام ذلك المعنى ، فيكون المندوب مأمورا به ، كما أن الواجب كذلك .
قوله : " ولأنه طاعة " إلى آخره ، هذا دليل ثان على أن المندوب طاعة ، ولأنه مثاب عليه ، وكل مثاب عليه طاعة ، فالمندوب طاعة . والمقدمتان ظاهرتان ، وأما أن كل طاعة مأمور بها ، فلقوله تعالى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول [ النساء : 59 ] ، وقوله عليه السلام بلسان الحال والمقال في غير موضع : أطيعوني ، ولأن الطاعة امتثال الطلب ، وامتثال الطلب مأمور به . فالطاعة مأمور بها .
ويعني امتثال الطلب أن الشارع إذا طلب منا شيئا ، أمرنا بامتثاله ، كقوله : صلوا واستاكو .
وقال الكناني : كون المندوب طاعة لا يدل في الأصح على أنه مأمور به ، إذ ليست الطاعة من خصائص الأمر ، لتناولها السؤال والشفاعة .
قلت : وهو ضعيف ، إذ لا نسلم أن موافقته السؤال والشفاعة طاعة موافقة للأمر فقط .