وتقريره : أن العرب في تسميتهم للخمر لا يخلو : إما أن يكونوا نصوا على أن التخمير هو علة تسميتهم لها خمرا أو لم ينصوا ، فإن نصوا على ذلك ، فالنبيذ خمر بالوضع لا بالقياس ، لأن التقدير حينئذ في لغتهم أن كل مائع قام به التخمير ، فهو خمر ، فإذا رأينا النبيذ مائعا قام به التخمير ، وجب أن يكون خمرا بنص أهل اللغة على جنسه ووضعهم له ، كما إذا قالوا : كل ذكر من بني آدم ، فهو رجل ، وكل أنثى منهم ، فهي امرأة ، فيقال : هذا الشخص ذكر من بني آدم أو أنثى ، فهو رجل أو امرأة بالوضع لا بالقياس . وإن لم ينصوا على أن علة تسمية الخمر التخمير ، كان تسميتنا للنبيذ خمرا خارجا عن لغتهم ، وإلحاقا لما ليس منها بها فقد دار الأمر بين أن الأسماء التي ادعيتم إثباتها بالقياس إما وضعية أو خارجة عن اللغة العربية ، وحينئذ لا يثبت القياس في الأسماء ، إما للخروج عن اللغة ، أو لعدم مصادفة القياس [ ص: 479 ] قابلا .
قوله : " قلنا : ليس النص من شرط الجامع " ، إلى آخره .
هذا جواب عن دليلهم بمنع الحصر .
وتقريره : لا نسلم أن شرط الجامع بين الأصل والفرع أن يكون منصوصا عليه من جهة الواضع ، بل شرطه أن يكون مدلولا عليه بالنص أو التنبيه ، ونستخرجه بالاستقراء أو الاستدلال ، كما أن العلة في القياس الشرعي تثبت بالنص والإيماء ، وتستخرج بالاستدلال وتخريج المناط ونحوه .
وإذا ثبت ذلك ، فنحن استقرأنا كثيرا من لغة العرب ، فوجدناهم يضعون الاسم الكلي لمعنى قائم بمسماه ، وذلك يقتضي أن كل فرد من أفراد ذلك المعنى إذا قام بذات ، سمينا تلك الذات بذاك الاسم ، كما أن الشرع لما نص على تحريم الربا في النقدين ، وفهمنا من تحريمه علة الوزن ، حكمنا بأن كل موزون ربوي يحرم فيه التفاضل إذا بيع بجنسه .
قوله : " قالوا : سموا الفرس أدهم لسواده " ، إلى آخره .
هذا نقص من الخصم على هذا الجواب وعلى أصل الدليل .
وتقريره : لو استقل فهم الجامع بصحة القياس في الأسماء ، لجاز أن يسمى كل أسود أدهم ، وكل أحمر كميتا ، لأن العرب سمت الفرس أدهم لسواده ، وكميتا [ ص: 480 ] لحمرته ، ثم لم يلحق بهما غيرهما في تسميته أدهم وكميتا . وذلك يمنع من استقلال فهم الجامع بالقياس ، فلا يصح القياس في الأسماء .
قوله : " قلنا : موضوع للجنس والصفة " ، إلى آخره .
أي : الأدهم والكميت موضوع للجنس والصفة ، أي : لجنس الفرس وصفة السواد والكمتة " فالعلة ذات وصفين ، فلا يثبت الحكم بأحدهما " وتحقيق هذا أنه شبيه بباب الاشتقاق حيث يوجد في المشتق خصوص المحل مع المعنى المشتق منه ، كما سمي الأسد ضيغما مشتقا من الضغم ، وهو العض الشديد ، ولم يسم الجمل ضيغما ، وإن كان العض الشديد موجودا فيه ، لأن خصوصية الأسدية مرادة في الضغم ، والبعير ليس بأسد ، فكذلك هاهنا خصوصية الفرسية موجودة في الأدهم مع السواد .
فإذا قيل لنا : لم لم تسموا زيدا الأسود أو الثور الأسود أدهم ؟ قلنا : لأنه ليس بفرس ، فانتفى فيه أحد الوصفين في المسمى ، وأحد جزئي الاسم ، وكل علة كانت ذات وصفين ، أو حكم علق على شرطين ، لم يوجد الحكم بأحدهما ، لأن العلة والشرط لا يؤثران إلا كاملين .
قوله : " ثم هو معارض بمثله في القياس الشرعي " ، أي : ما ذكرتموه من أنهم [ ص: 481 ] سموا الفرس أدهم لسواده ، ولم يسموا كل أسود أدهم ، غايته أن القياس في الأسماء لم يطرد ، فيرجع إلى تخصيص العلة ، وهو معارض بتخصيص العلة في القياس الشرعي ، فكما يتخلف الحكم عن العلة في القياس شرعا ، ولم يقتض ذلك بطلان أصل القياس ، كذلك يتخلف الحكم عن العلة في القياس لغة ، ولا يقتضي بطلان أصل القياس ، فحصل الجواب عن سؤالهم المذكور بوجهين :
أحدهما : منع أن العلة في تسميتهم الفرس أدهم مجرد السواد ، بل مع خصوصية الفرسية .
الثاني : بتقدير تسليم ذلك هو تخصيص للعلة اللغوية ، فهو كتخصيص العلة الشرعية .
قوله : " قالوا : الشرعي يثبت بالإجماع ، ولا إجماع هنا " .
هذا منع منهم للأصل في قياسنا القياس اللغوي على القياس الشرعي .