وكل متأول يحتاج إلى بيان الاحتمال المرجوح وعاضده . وقد يدفع الاحتمال مجموع قرائن الظاهر ، دون آحادها ، كتأويل الحنفية المفارقة في قوله عليه السلام لغيلان بن سلمة حيث أسلم على عشر نسوة : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022067أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن ، على ترك نكاحهن ابتداء ، وعضدوه بالقياس ، وهو عدم أولوية بعضهن بالإمساك دون بعض ، أو نحوه .
الثاني : بيان عاضده ، أي : عاضد الاحتمال المرجوح ، أي : لدليل الذي يعضده ويقويه ، حتى يقدم على الظاهر ، وذلك لأنه إن لم يبين الاحتمال المرجوح ، لم يكن بيان الدليل العاضد للاحتمال المرجوح ولم نتحقق التأويل ، إذ شرطه الدليل ، فيبقى الاحتمال المرجوح مجردا ، وهو لا يقاوم الظاهر .
قوله : " وقد يدفع الاحتمال مجموع قرائن الظاهر دون آحادها " ، يعني أن الظاهر والاحتمال المرجوح إذا تقابلا ، فقد يحتف بالظاهر قرائن تدفع ذلك الاحتمال وتبطله ، ثم قد يكون كل واحد من القرائن دافعة للاحتمال وحدها ، وقد لا يندفع إلا بمجموع تلك القرائن ، وذلك بحسب قوة القرائن وظهورها ، ومقاومتها [ ص: 569 ] لذلك الاحتمال ، وقصورها عنه ، فقد تقاومه قرينة واحدة ، أو قرينتان ، فتدفعه ، وقد لا تقاومه إلا جميعها ، فلا يندفع بدونها .
فالحنفية قالوا : إن من أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة ، فإن كان تزوجهن في عقد واحد بطل نكاحهن ، ولم يجز أن يختار منهن شيئا ، وإن تزوجهن متعاقبات ، اختار من الأول أربعا ، وترك الباقي .
والأئمة الثلاثة : على أنه يختار منهن أربعا مطلقا .
ولما كان مذهب الحنفية مخالفا لظاهر الحديث ، إذ ظاهر الإمساك فيه استدامة نكاح أربعة ، وظاهر المفارقة تسريح الباقيات ، احتاجوا إلى تأويله ، فحملوا الإمساك على ابتداء النكاح ، كأنه قال : أمسك أربعا بأن تبتدئ نكاحهن ، وفارق سائرهن بأن لا تبتدئ العقد عليهن ، ولو ثبت لهم هذا التأويل ، لوافق الحديث مذهبهم ، إذ [ ص: 570 ] يصير التقدير أن بإسلام غيلان يبطل نكاح زوجاته ، فإمساكه أربعا منهن يكون بابتداء العقد عليهن ، وفراقه للبواقي يكون بترك نكاحهن ، وعضدوا هذا التأويل بالقياس ، وهو أن بعض النسوة ليس بأولى بالإمساك من بعض ، إذ هو ترجيح من غير مرجح ، أو بنحو هذا القياس .