ثم لما كان الكتاب والسنة تلحقهما أحكام لفظية ومعنوية ، كالأمر ، والنهي ، والعموم ، والخصوص ونحوها ، عقبناهما بذكرها .
خاتمة ، يعني لباب النسخ ، وهي فيما يعرف به النسخ :
" لا يعرف النسخ بدليل عقلي ، ولا قياسي " ، وذلك لأن النسخ إما رفع الحكم الشرعي ، أو بيان مدة انتهائه ، وكلاهما لا طريق للعقل إلى معرفته . ولو كان للعقل طريق إلى معرفة النسخ بدون النقل ; لكان له طريق إلى معرفة ثبوت الأحكام بدون النقل ، وليس كذلك .
[ ص: 343 ] قوله : " وبالتاريخ " ، أي : ويعرف النسخ بالتاريخ ، مثل أن يقول الراوي : قال النبي صلى الله عليه وسلم ، سنة خمس كذا ، أو عام الفتح - وهي سنة ثمان - كذا ، أو يكون في الحديث ما يدل على تأخر أحد الخبرين ، كحديث قيس بن طلق ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في مس الذكر : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022194هل هو إلا بضعة منك ، فإن في بعض ألفاظه : جئت وهم يؤسسون المسجد ، وكان ذلك أول الإسلام ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وبسرة nindex.php?page=showalam&ids=10583وأم حبيبة في نقض الوضوء بمس الذكر بعد ذلك ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة متأخر الإسلام ، أسلم سنة سبع ، [ ص: 344 ] وبناء المسجد كان في أول السنة الأولى من الهجرة .
وكذلك زعم بعض أصحابنا أن حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما في قطع الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين ; كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، في المدينة .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمكة في وقت الحج ، كما دلت عليه الروايات ، ولم يذكر قطع الخفين ; فكان تركه لبيان وجود قطع الخفين في وقت الحاجة دليلا على نسخه .
قوله : " أو يكون راوي أحد الخبرين مات قبل إسلام الثاني " . هذا مما يعرف به النسخ ، كما لو روى مثلا nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، أو مصعب بن [ ص: 345 ] عمير ، أو nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ ، ونحوهم ممن تقدمت وفاتهم رضي الله عنهم ، المنع من المسح على الخفين ، ثم رأينا nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله رضي الله عنه يروي جوازهن علمنا أن حديثه ناسخ لما قبله ، وهذا مثال ، وإن لم يقع منه إلا رواية جرير للمسح ، وهذا بخلاف ما إذا علمنا أن راوي أحد الخبرين لم يمت قبل إسلام راوي الثاني ، بل بعده ; فإنه يحتمل أن كل واحد من الخبرين قيل قبل الآخر ; فلا يتحقق أيهما الناسخ ، ولمعرفة الناسخ طرق أخر ، لم تذكر في " المختصر " تبعا لأصله ، والله تعالى أعلم .
قوله : " ثم لما كان الكتاب والسنة تلحقهما أحكام لفظية ومعنوية ، كالأمر والنهي ، والعموم والخصوص ، ونحوها " يعني كالمطلق والمقيد ، وغيرهما من عوارض الألفاظ " عقبناهما " ، أي : عقبنا الكتاب والسنة بذكرها ، أي : بذكر ما يلحقهما من العوارض المذكورة ، أي : ذكرناها عقيبها . وهذا على جهة البيان لمناسبة تعقيب الكتاب والسنة بهذه العوارض ، كما بينا مناسبة تعقيب الكتاب والسنة بالنسخ في أوله ، وكان تقديم النسخ أولى من تقديم عوارض الألفاظ المذكورة ; لأن اللفظ إنما ينظر في أحكام عوارضه إذا كان معمولا به ، والمنسوخ غير معمول به ، فإذا تبين بمعرفة الناسخ والمنسوخ ، ما اللفظ الذي يعمل به ويعتمد عليه ، نظر حينئذ في أحكام عوارضه ، لئلا يضيع النظر في لفظ قد بطل بالنسخ .