[ ص: 411 ] التاسعة : ما ثبت في حقه عليه السلام من الأحكام ، أو خوطب به ، نحو : ياأيها المزمل [ المزمل : 1 ] ، تناول أمته ، وما توجه إلى صحابي تناول غيره حتى النبي صلى الله عليه وسلم ، ما لم يقم دليل مخصص عند القاضي ، وبعض المالكية والشافعية ، وقال أبو الخطاب والتميمي وبعض الشافعية : يختص الحكم بمن توجه إليه إلا أن يعم .
قالوا : أمر السيد بعض عبيده يختص به دون باقيهم ، وأمر الله عز وجل بعبادة لا يتناول غيرها ، والعموم لا يفيد الخصوص بمطلقه ، فكذا العكس ، وكأن الخلاف لفظي ، إذ هؤلاء يتمسكون بالمقتضى اللغوي ، والأولون بالواقع الشرعي .
وحاصل الكلام : إنه إن قام دليل مخصص ، اختص الحكم بمن دل عليه الدليل ; وإلا كان الحكم بما ثبت في حقه عليه السلام ، أو خوطب به هو ، أو بعض الصحابة ، عاما لجميع المكلفين " عند القاضي ، وبعض المالكية ، والشافعية . [ ص: 413 ] وقال أبو الخطاب " ، وأبو الحسن التميمي من أصحابنا ، وبعض الشافعية : يختص الحكم بمن توجه إليه ، من النبي صلى الله عليه وسلم ، أو غيره ، إلا بمعمم ، أي : إلا أن يقوم دليل كونه عاما للجميع ; فهؤلاء عكس الأولين; لأن هؤلاء يقولون : يخص الحكم من توجه إليه إلا لدليل معمم ، وأولئك يقولون : يعم الحكم من توجه إليه وغيره ، إلا لدليل مخصص .
- قوله : " لنا : قوله تعالى : زوجناكها " إلى آخره . هذا حجة القائلين بالتعميم ، وهو من وجوه :
الوجه الرابع : أن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على الرجوع في قضاياهم العامة إلى قضايا النبي صلى الله عليه وسلم ، الخاصة ، كرجوعهم في حد الزاني إلى قصة ماعز ، وفي دية الجنين إلى حديث حمل بن مالك ، وفي المفوضة إلى قصة بروع بنت واشق ، وفي السكنى والنفقة إلى حديث nindex.php?page=showalam&ids=11129فاطمة بنت قيس ، وفريعة بنت مالك .
قال الشيخ أبو محمد : وإلى حديث صفية الأنصارية ، في سقوط طواف الوداع عن الحائض .
[ ص: 416 ] قلت : وإنما هي nindex.php?page=showalam&ids=199صفية بنت حيي ، أم المؤمنين ، كذا رواه الترمذي وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها . وإذا ثبت هذا ; فلولا أن ما توجه إلى بعض الأمة يتناول غيره ، لكان ذلك خطأ من الصحابة ، حيث رجعوا في أحكامهم العامة إلى أحكامه الخاصة ، لجواز اختصاص قضاياه بمحالها ، التي وردت فيها ، بل لوجوب ذلك عند الخصم ; فيكون الخطأ أشد وأشنع ، لكن الصحابة أجمعوا على ذلك ، وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم ، لهم بالهداية ، والإجماع مطلقا بالعصمة من الخطأ ، وذلك يقتضي عموم ما ذكرناه من عموم الحكم ، وإن توجه إلى واحد .
وروي عنه في القبلة للصائم ، مثل ذلك ، وهو يدل على تساويه وأمته في الأحكام ، وإذا استووا في الأحكام ، تناوله ما توجه إليهم ، بمقتضى التساوي .
قوله : " قالوا : أمر السيد بعض عبيده " ، إلى آخره . هذا دليل القائلين بعدم التعميم إلا لدليل ، وهو من وجوه :
أحدها : أن السيد إذا أمر بعض عبيده ، اختص موجب الأمر به ، دون غيره منهم ، في حكم اللغة ; فكذلك الله سبحانه وتعالى مع عبيده ، لا يتجاوز أمره لبعضهم إلى غيره كذلك .
الوجه الثاني : أن الله عز وجل إذا أمر بعبادة ، كالصلاة والصيام ، لا يتناول الأمر بمطلقه عبادة أخرى غيرها ; فكذلك إذا أمر عبدا ، لا يتناول الأمر بمطلقه عبدا آخر غيره .
الوجه الثالث : أن لفظ العموم لا يفيد الخصوص بمطلقه ، ولا يحمل [ ص: 418 ] عليه ; فكذا العكس ، وهو أن لفظ الخصوص لا يفيد العموم بمطلقه ، ولا يحمل عليه .
- قوله : " وكأن الخلاف لفظي " ، أي : يشبه أن النزاع بينهم لفظي ، إذ هؤلاء ، يعني القائلين بأن الحكم يخص من توجه إليه ، يتمسكون بمقتضى اللغة لذلك ، والأولون وهم القائلون بأنه يعم من توجه إليه ، وغيره يتمسكون بالواقع الشرعي ; لأن أدلتهم كلها وقائع شرعية خاصة ، عدي حكمها إلى غيرها ، كما سبق .
وحينئذ يصير التقدير : أن اللغة تقتضي أن الخطاب لواحد معين يختص به ، ولا خلاف فيه بينهم ، والواقعة الشرعية الخاصة ، إذا قام دليل عمومها ، عمت ، ولا خلاف أيضا فيه بينهم ; فعاد النزاع كما قلنا لفظيا ، والله تعالى أعلم بالصواب .