ومن قال : هو للاستغراق ، قال : إن ذلك يفيد الحصر والعموم ، ووجهه أن قوله : تحليلها وتحريمها ، مضاف إلى ضمير عائد إلى ما فيه اللام ، وهو الصلاة في قوله عليه الصلاة والسلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022287مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، والمضاف إلى ضمير ما فيه اللام ، مضاف إلى ما فيه اللام بواسطة ذلك الضمير .
قوله : " فالكلام هنا كذلك " ، أي : الكلام الذي نحن فيه ، وهو : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022286تحريمها التكبير وتحليلها التسليم كذلك ، أي : كالمضاف إلى ما فيه اللام ، أو كالذي فيه اللام ; فيكون ذلك من قبيل العام ، أي : عموم الشفعة ثابتة في المقسوم ، وعموم الأعمال منحصرة في الصحة ، أو الكمال في الوقوع بالنية .
قوله : " وقيل : لأن المحكوم به " إلى آخره ، أي : " وقيل : " إنما أفاد هذا الحصر ; " لأن المحكوم به " - وهو الخبر - يجب أن يكون مساويا للمحكوم عليه - وهو المبتدأ - أو أعم منه ، لا أخص .
مثال المساوي : قولنا : الإنسان بشر ، والحيوان الناطق إنسان ، أو الإنسان حيوان ناطق .
[ ص: 752 ] ومثال الأعم : قولنا : الإنسان حيوان ; فالحيوان هو الخبر ، وهو أعم من الإنسان الذي هو المبتدأ ، وهذان صحيحان .
ومثال الأخص : قولنا : الحيوان إنسان ; فهذا لا يصح ; لأن الخبر محكوم به على المبتدأ ، وشأن المحكوم به أن يكون صادقا على كل فرد من أفراد المحكوم عليه ، والحيوان صادق على كل فرد من أفراد الإنسان ، بخلاف العكس ; لأن الإنسان ليس صادقا على كل فرد من أفراد الحيوان ، إذ لا يصدق أن الفرس ، أو الجمل ، أو الطائر ، إنسان .
وإذا ثبت أن خبر المبتدأ يجب أن يكون مساويا له أو أعم ; فتحليل الصلاة مبتدأ ، والتسليم خبره ; " فلو كان التسليم ، الذي هو الخبر ، أخص من تحليل الصلاة " ، لخرجت هذه الأخبار " عن موضوع اللغة " ، ودليل العقل ; فتعين أن يكون التسليم مساويا للتحليل ، أو أعم منه ، وعلى كلا التقديرين ، ينحصر التحليل في التسليم ، انحصار الإنسان في الحيوان الناطق في قولنا : الإنسان حيوان ناطق ، أو انحصاره في الحيوان في قولنا : الإنسان حيوان ، وكذا الكلام في التحريم مع التكبير ، والشفعة مع ما لم يقسم ، والأعمال في المنوي ، لانحصارها فيه انحصار المساوي في مساويه ، أو انحصار الأخص في الأعم .
قلت : اعلم أني وجهت الحصر في " المختصر " في هذه المسألة بتوجيهين كما قررته ، والصواب أنهما توجيه واحد من مقدمتين :
[ ص: 753 ] إحداهما : أن الاسم المفرد المعرف باللام ، يفيد الاستغراق .
الثانية : أن الخبر يجب أن يكون مساويا للمبتدأ ، أو أعم منه .
وتقريره على هذا : أن تحريمها وتحليلها في حكم المضاف إلى المفرد المعرف باللام ، والمفرد المعرف باللام يفيد الاستغراق ; فكذا ما أضيف إليه ; فتحريمها وتحليلها مبتدأ عام مستغرق ، والمبتدأ يجب أن يكون مساويا للخبر ، أو أخص منه ، وكل مساو لشيء ، أو أخص من شيء ، يجب أن ينحصر في ذلك الشيء ; فإذن التحليل يجب انحصاره في التسليم ، والتحريم يجب انحصاره في التكبير ; فلا يحصلان إلا بهما ، والشفعة يجب انحصارها فيما لم يقسم ; فلا تجب إلا فيه ، والأعمال يجب انحصارها في المنوي ; فلا تصح أو لا تكمل إلا بالنية ، ولكني وهمت في توجيه المسألة ; فجعلت كل مقدمة من مقدمتي دليلها دليلا ، والله تعالى أعلم بالصواب .
الفائدة الثالثة من باب الحصر : قولهم : زيد صديقي ، وصديقي زيد ; فالأول يقتضي انحصار زيد في صداقتك ; فلا يصادق غيرك ، وأنت يجوز أن تصادق غيره ، والثاني يقتضي انحصار أصدقائك في زيد ، وهو غير منحصر في صداقتك ، بل يجوز أن يصادق غيرك .
قلت : ويترتب على هذا فائدة دقيقة ، وهي أنا قد قررنا أن خبر المبتدأ يجب أن يكون أعم ، أو مساويا للمبتدأ وصديقي أعم من زيد ، ثم هو تارة مقدم ، وتارة مؤخر ; فلو كان مقدما على حالة مؤخرا ، لزم أن يكون الخبر أخص من المبتدأ في قولنا : صديقي زيد ; فتختل القاعدة التي قررت ; فلزم [ ص: 755 ] من هذا أن العموم والخصوص وصف عرضي ، يختلف بالتقديم والتأخير ، وأن اللفظ الواحد يكون أعم مؤخرا ، وأخص مقدما ، ووجهه ظاهر ، وهو أنه إذا قدم تخصص بالعناية والاهتمام به ، ليوضع محكوما عليه ، والله تعالى أعلم .