[ ص: 53 ] الثالثة : الجمهور : أنه لا ينعقد بقول الأكثر خلافا لابن جرير ، وعن أحمد مثله لارتكاب الأقل الشذوذ المنهي عنه .
لنا : العصمة للأمة ولا تصدق بدونه ، وقد خالف ابن مسعود وابن عباس في مسائل فجوز لهم .
قالوا : أنكر عليه المتعة ; وحصر الربا في النسيئة ، والعينة على زيد بن أرقم .
قلنا : لخلاف مشهور السنة ، ثم قد أنكر على المنكر ، فلا إجماع ، فهو مختلف فيه ، حكمه إلى الله بدليل : وما اختلفتم ، فإن تنازعتم .
المسألة " الثالثة : الجمهور : أنه لا ينعقد " يعني الإجماع " بقول الأكثر " دون الأقل ، حتى يتفق الجميع ، " خلافا nindex.php?page=showalam&ids=16935لابن جرير " الطبري ، وأبي بكر الرازي ، nindex.php?page=showalam&ids=14264وأبي الحسين الخياط من المعتزلة ، فإنهم ذهبوا إلى انعقاده مع مخالفة الأقل " وعن أحمد مثله " أي : مثل قولهم . قال في " الروضة " : أومأ إليه أحمد .
قلت : وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي رواية عنه في جملة هؤلاء المذكورين ، وحكي مع ذلك في المسألة أقوال أخر :
[ ص: 54 ] قلت : هذا يتخرج على رأي من زعم أن مستند الإجماع العقل لا السمع ، وأن الإجماع يشترط له عدد التواتر ، إذ التواتر يفيد العلم ، فيجوز أن الحق مع الأقل المخالف ، فلا ينعقد الإجماع دونه ، لأنه ليس بقاطع إذن .
قلت : وهو بادئ الرأي تفصيل حسن مقبول ، لكنه مع النظر ضعيف من جهة أن عدد التواتر غير محدود ، فكيف يعلق هذا الحكم به ، ولو كان محدودا ، لكن إذا كان الأقل بالغا عدد التواتر ، فالأكثر أولى ، فيلزم من ذلك تعارض الخبرين المتواترين ، وهو أبعد في الاستحالة من تعارض الإجماعين ، وما نشأ هذا الضعف إلا من اعتبار التواتر في الإجماع ، ولا معنى لاعتباره ، لأن تأثير التواتر إنما هو في الخبريات ، لا في النظريات الاجتهاديات ; فإن اليهود والنصارى لو أخبرونا بأمر شاهدوه ، كمدينة من المدن ، أو وقوع زلزلة في مكان ما ، أو نحو ذلك ، صدقناهم ، وأفاد خبرهم العلم ، إذا بلغوا عدد التواتر ، لأن ذلك أمر خبري ، ولو أخبرونا عن أن محمدا غير نبي ، أو عن بطلان شيء من قواعد الإسلام ، أو عن قدم العالم ونحوه ، لم نصدقهم ، لأن ذلك أمر نظري ، صدر عن نظر فاسد .
القول الثاني : إن سوغت الجماعة الاجتهاد في مذهب المخالف ، كان خلافه معتدا به ، وإلا فلا ، وهو قول أبي عبد الله الجرجاني .
قلت : وهو قول بانعقاد الإجماع بالأكثر ، لأنه اعتبر تسويغهم قول المخالف وعدمه ، فلو لم يكن اتفاقهم حجة ، لما كان تسويغهم المذكور حجة .
وقال القرافي : يعتبر عند مالك مخالفة الواحد في إبطال الإجماع .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب : إذا خالف الواحد والاثنان ، من قصر عن عدد التواتر ، فلا إجماع حينئذ .
وقال قوم : لا يضر الواحد والاثنان .
وقال ابن الإخشاذ : لا يضر الواحد والاثنان في أصول الدين ، والتأثيم والتضليل ، بخلاف مسائل الفروع .
وهذا ما اتفق من نقل الخلاف في المسألة ، فلنرجع الآن إن شاء الله تعالى إلى ذكر دليلها على ما في " المختصر " .
قوله : " لارتكاب [ الأقل ] الشذوذ المنهي عنه " . هذه حجة nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وأتباعه على انعقاد الإجماع بدون الأقل المخالف ، وذلك لأن مخالفة الأقل شذوذ عن الجماعة ، والشذوذ عن الجماعة منهي عنه بقوله - عليه السلام - :
أحدهما : أن العصمة الإجماعية إنما ثبتت للأمة ، والأمة لا تصدق على الأكثرين بدون هذا المخالف ، فلا يكون اتفاقهم بدونه إجماعا .
الوجه الثاني : أن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - رضي الله عنهم - خالفا جمهور الصحابة في مسائل ، فانفرد كل واحد منهم عنهم بخمس مسائل في الفرائض ، وانفردا وغيرهما في بقية الأحكام بمسائل أخر . وجوز الصحابة لهم هذا الانفراد ، ولو انعقد إجماع الصحابة بدونهما ، لاستحال في العادة ترك النكير عليهما ، وإقرارهما على مخالفة الإجماع ، فدل ذلك على أن الإجماع بدونهما لم ينعقد ، وهو المطلوب .
قوله : " قالوا : أنكر عليه " إلى آخره . هذا معارضة لهذا الدليل من وجه ، دليل ابتدائي للخصم من وجه .
وتقريره : أنهم إن كانوا لم ينكروا على nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ما خالفا فيه في الفرائض ، فقد أنكروا على nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إباحة " المتعة " حتى رجع عنها " وحصر الربا في النسيئة " حتى تركه ، وأنكرت عائشة - رضي الله عنها - على nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم بيع العينة ; وهي شراء ما بيع نسيئة بأقل مما بيع به وأغلظت عليه في ذلك حتى قالت لأم ولده : أخبري زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول
[ ص: 57 ] الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب ، ولولا أن اتفاق الأكثر حجة ، لما كان لهم الإنكار عليهم .
قوله " قلنا : لخلاف مشهور السنة " . هذا جواب على دليلهم المذكور ، وهو من وجهين :
أحدهما : أن إنكار الصحابة - رضي الله عنهم - على هؤلاء انفرادهم بهذه المسائل ، إنما كان لمخالفتهم فيها السنة المشهورة ، والدليل الظاهر ، لا لكون اتفاقهم مع مخالفة هؤلاء إجماعا .
الوجه الثاني : أنه قد " أنكر على المنكر " أي : كما أنكر الصحابة على هؤلاء المذكورين ما انفردوا به ; كذلك هؤلاء المذكورون أنكروا على الصحابة إنكارهم عليهم ، وناظروهم في ذلك ، حتى قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - في العول : من شاء باهلته ، إن الذي أحصى رمل عالج عددا ، لم يجعل في مال نصفين وثلثا ، هذان نصفان ذهبا بالمال ، فأين موضع الثلث ؟ وإذا حصل الإنكار من الطرفين " فلا إجماع " بل هو " مختلف فيه ، حكمه إلى الله - عز وجل - بدليل " قوله - عز وجل - : وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [ الشورى : 10 ] ، وقوله - عز وجل - : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله [ النساء : 59 ] .