قلنا : الآية وردت في نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ; ثم الرجس : الكفر ، أو العذاب ، أو النجاسة ، والخطأ الاجتهادي ليس واحدا منها ; ثم الرجس مفردا حلي باللام وهو غير مستغرق .
قلنا : المعلق على شيئين لا يوجد بأحدهما ، والكتاب يمنع ما ذكرتم ; ثم العترة لا تختص بأهل البيت .
قوله : " ولا ينعقد الإجماع بأهل البيت وحدهم ، خلافا للشيعة . لنا : ما سبق " يعني من أنهم ليسوا كل الأمة ، والعصمة إنما تثبت لجميعها ، فيكون قولهم حجة مع عدم المعارض الراجح ، لا إجماعا ، كما قلنا في اتفاق أهل المدينة .
فخطاب أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يكشف ما استدللتم به قبله وبعده ، فكن مرادات منه ولا بد ، فأما على الخصوص ، فلا حجة لكم في الآية أصلا ، أو مع أهل البيت الذين هم العترة ، فيلزم أن يعتبر معهم في الإجماع أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لمشاركتهن لهم في إذهاب الرجس عنهم ، وهو باطل عندكم .
الوجه الثاني : أن الرجس يطلق على الكفر ، والعذاب ، والنجاسة ، فالمراد منه في الآية أحدها " والخطأ الاجتهادي ليس واحدا منها " فلا يلزم إذن من نفي الرجس عنهم نفي الخطأ .
الوجه الثالث : أن الرجس اسم مفرد حلي باللام ، وهو لا يقتضي الاستغراق ، فبتقدير أن الرجس هو الخطأ فليس في الآية ما يدل على نفي جميعه عنهم ، فلا يبقى في الآية دلالة .
واعلم أن هذه الوجوه قوية في جواب دليل الشيعة ، غير أن جوابهم عنها قوي متيسر أيضا .
فيقال : الجواب عن الأول أن أهل البيت خاص بمن سنذكره إن شاء الله - عز وجل - ، وليس نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مرادات منه عموما ولا خصوصا ، وذلك لوجهين :
أحدهما : أنه - سبحانه وتعالى - خاطب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بضمير المؤنث ، [ ص: 109 ] نحو : قرن ولا تبرجن واذكرن حتى جاء إلى ذكر أهل البيت ، خاطبهم بضمير المذكر الكاف والميم حيث قال - سبحانه وتعالى - : إنما يريد الله ليذهب عنكم ، ولم يقل : عنكن ، فدل على أن المراد غير الزوجات ، وهم من نذكره إن شاء الله تعالى .
قلت : وقد أجيب عن هذا : بأن أهل البيت يتناول الذكور ، إذ هو موضوع للمذكر ، أعني : لفظ ( أهل ) ، فغلب جانب التذكير ، فجيء بضميره .
الوجه الثاني : ما روى nindex.php?page=showalam&ids=16659عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لما نزلت هذه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، نزلت في بيت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، فدعا فاطمة وعليا وحسنا وحسينا ، فجللهم بكساء ، ثم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022345اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قالت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ؟ ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022346أنت على مكانك وأنت على خير . رواه الترمذي وقال : هو غريب من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح عن عمر ، ورواه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، وقال : حديث حسن .
أما دلالة السياق على أنهن مرادات من الآية ، فإنها وإن كان فيها بعض التمسك ; لكن ذلك مع النصوص التي ذكرناها ، على أن أهل البيت خاص بهؤلاء ، فلا يفيد ، والقرآن وغيره من كلام العرب يقع فيه الفصل بين أجزاء الكلام بالأجنبي كقوله - عز وجل - : إن الملوك إذا دخلوا قرية إلى قوله - عز وجل - " أذلة [ النمل : 34 ] هذا حكاية قول بلقيس ، وكذلك يفعلون [ النمل : 34 ] كلام مبتدأ من الله - عز وجل - عند المفسرين . وقوله - عز وجل - : قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق إلى قوله : الصادقين [ يوسف : 51 ] هذا حكاية كلام المرأة ، ذلك ليعلم أني لم أخنه إلى قوله : غفور رحيم [ يوسف : 52 - 53 ] كلام يوسف عليه السلام . وقوله - سبحانه وتعالى - :
[ ص: 111 ] وبالجملة فاعتراضات العربية ، والتخلصات من كلام إلى كلام كثيرة في القرآن على أبدع ما يكون ، حتى إن الإنسان يظن أن الجملتين المتواليتين منه في معنى واحد ، وكل واحد في معنى ، ومن استقرأ ذلك ، ونظر فيه ، عرفه ، وحينئذ قوله - عز وجل - : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت وقع اعتراضا وفصلا بين أجزاء خطاب النسوة لما ذكرناه من السنة المبينة لذلك .
والجواب عن الثاني أن الرجس يتناول الخطأ لغة واستدلالا ، وذلك لأن الجوهري قال : الرجس : القذر ، قلنا : والقذر أعم مما يستقبحه الطبع كالنجاسات المتجسدة ، أو العقل كالنقائص العقلية ، وهي تتناول الخطأ . قال الجوهري : وقال الفراء في قوله تعالى : ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون [ يونس : 100 ] : إنه العقاب والغضب .
قلنا : فإن كان الرجس بهذا المعنى مرادا من الآية ، فقد نفى الله - عز وجل - عن أهل البيت العقاب والغضب ، والخطأ من أسبابهما ، فيلزم نفيه عنهم ، وإلا انتفى المسبب مع وجود سببه ، وهو باطل ، لأن السبب يقتضي وجود المسبب ، فلو فرضنا انتفاء المسبب مع ثبوت ما يقتضي وجوده ، لزم وجوده وعدمه في حال واحد ، وهو محال .
قلت : هذا الاستدلال لا ينهض ، لأن انتفاء المسبب مع وجود السبب غير ممتنع ، ووجود السبب وتخلف المسبب لمانع غير ممتنع أيضا ، واستدلالهم [ ص: 112 ] إنما هو بنفي الملزوم ، ولا يدل على انتفاء اللازم ولا عدمه ، وحينئذ جاز أن يخطئوا في اجتهادهم ، ويتخلف العقاب عنهم ، لقوله - عز وجل - ، أو للرخصة بكونه خطأ اجتهاديا فيه أجر واحد ، ومع الإصابة أجران .
قالوا : وذكر ابن عطية في " تفسيره " : أن الرجس اسم يقع على الإثم ، وعلى العذاب ، وعلى النجاسات والنقائص ، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت ، وذكر أيضا أن الجمهور ذهبوا إلى أن أهل البيت علي وفاطمة والحسن والحسين .
وإذا ثبت أن الرجس يقع على النقائص ، فالخطأ من أقبحها ، لا سيما في الاجتهاد الشرعي ، فيكون منفيا عن أهل البيت ، ويلزم من ذلك إصابتهم في الاجتهاد ، فيكون قولهم حجة قاطعة بهذه الأدلة السمعية ، وهي أدل في حقهم من أدلة الإجماع العام في حق جميع الأمة ، كما سبق ، وهو المطلوب .
والجواب عن الثالث من وجوه :
أحدها : لا نسلم أن المفرد المحلى باللام لا يستغرق ، بل قد ذهب إلى ذلك أكثر الفقهاء ، كما حكاه الإمام فخر الدين في " المعالم " .
الوجه الثاني : أن لفظ الرجس إن أفاد العموم ، استدللنا به ، وإن لم يفده ، استدللنا بقوله - عز وجل - : ويطهركم تطهيرا [ الأحزاب : 33 ] ودلالته من وجهين : [ ص: 113 ] أحدهما : أن اقتران لفظ التطهير بذكر الرجس يقتضي أن التطهير من ذلك الرجس ، وهو يقتضي عموم التطهير ، بدليل تأكيده بالمصدر .
الثاني : أنه لو لم يقترن بذكر الرجس ، لأفاد عموم التطهير بما ذكرناه ، والفرق بين الوجهين : أن الوجه الأول استدلال بمجموع لفظ الرجس والتطهير ، والثاني استدلال بلفظ التطهير المؤكد وحده .
الوجه الثالث : هب أن لفظ الرجس لا يقتضي العموم ، لكن وقوع النفي عليه يقتضي انتفاء ماهيته ، وهي لا تنتفي إلا بانتفاء جميع أفرادها ، فيلزم عموم النفي بهذا الطريق .
قالت الشيعة : فإن قيل : أنتم لا تقبلون رواية الصحابة ، فكيف قبلتموها في تخصيص أهل البيت بمن ذكرتم .
قلنا : نحن إنما أوردنا ذلك من طريق الصحابة إلزاما لكم برواية من لا تقدرون على اطراح روايته ، لا اعتمادا منا عليها ، وإنما اعتمدنا على تواتر ذلك عندنا من طريق أهل البيت ، ومن تقبل روايته ، لكنا لو استدللنا عليكم بذلك ، ربما منعتموناه ، فاحتججنا عليكم بما تقبلون ، وجعلنا ذلك مؤكدا لما عندنا ، لا مستقلا بالاعتماد عليه .
قوله : " قالوا : كتاب الله وعترتي " . هذا دليل آخر للشيعة .
وجه الاستدلال بهذا النص : أنه أمر بالتمسك بالعترة ، وأخبر بعدم ضلال من تمسك بها ، ولو لم يكن قولهم حجة قاطعة لما أمر بذلك ، وهو المطلوب .
[ ص: 115 ] قوله : " قلنا : " إلى آخره ، أي : الجواب عما ذكرتموه أنه - عليه السلام - علق نفي الضلال على شيئين : الكتاب والعترة ، و " المعلق على شيئين لا يوجد بأحدهما " فنفي الضلال لا يوجد بالتمسك بالعترة وحدها ، دون الكتاب " والكتاب يمنع ما ذكرتم " من أن إجماعهم حجة لقوله - عز وجل - : ويتبع غير سبيل المؤمنين [ النساء : 115 ] ونحوه من النصوص الدالة على أن العصمة للأمة لا لبعضها .
" ثم " إن " العترة لا تختص بأهل البيت " بل هي في اللغة : نسل الرجل ورهطه الأدنون . كذا ذكره الجوهري ، ويروى أن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق قال : نحن عترة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قلت : ولهم أن يجيبوا عن الأول بأنه - عليه السلام - أخبر أن كتاب الله وعترته لن يتفرقا ، وذلك يدل على أنهما لا يتنافيان . وقد دللنا على أن إجماع أهل البيت حجة بنفي الرجس عنهم ، فيلزم من ذلك موافقة الكتاب لإجماعهم ، وعدم منافاته له ، وأن ما ذكرتموه من دليل الإجماع العام لا يثبت ، وقد سبق ما فيه .
قلت : وأورد القرافي على احتجاجهم بقوله : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس [ الأحزاب : 33 ] الآية ، أن الحصر متعذر في ذلك ، لأن إرادة الله - سبحانه وتعالى - شاملة لجميع أجزاء العالم ، فيتعين إبطال الحقيقة ، ووجوه المجاز غير منحصرة ، فيبقى مجملا ، فيسقط الاستدلال به .
[ ص: 116 ] قلت : يشير إلى أن إنما للحصر ، وهي هاهنا تقتضي حصر إرادة الله - عز وجل - في إذهاب الرجس عنهم ، وليست منحصرة في ذلك ، بل هي متعلقة بكل ممكن ، وتمام الكلام ظاهر .
قلت : ولهم أن يجيبوا بوجهين :
أحدهما : منع أن إنما للحصر ، بل للتأكيد كما سبق .
الثاني : بتقدير أنها للحصر لكن قد سبق أن الحصر تارة يعم ، وتارة يخص ، نحو : إنما الله إله واحد [ النساء : 171 ] ، إنما أنت منذر [ الرعد : 7 ] ، أي : بالنظر إلى المشركين والمنذرين ، وكذلك هو في الآية خاص باعتبار أهل البيت ، أو جهة ما من الجهات .
قلت : أقرب ما يسلك في الرد على الإمامية في هذه المسألة : ما سلكناه في الرد على أبي بكر في اعتبار العامي ; وعلى مالك في إجماع أهل المدينة ، وهو أن يقال : إذا خالف أهل البيت باقي الأمة في حكم ، فإما أن يعتبر القولان ، أو يلغيا جميعا ، وهو باطل باتفاق ، أو يقدم قول أهل البيت ، وهو ضعيف لوجهين :
أحدهما : أنه مخالف لقوله - عليه السلام - : اتبعوا السواد الأعظم ، فإنه من شذ ، شذ في النار .
الثاني : أن إصابة آحاد يسيرة ، وخطأ الجم الغفير بعيد جدا .
قلت : ولهم على هذا الطريق اعتراضات ، لا أطيل بذكرها .
[ ص: 117 ] قلت : وذكر ابن منده nindex.php?page=showalam&ids=12455وابن أبي الدنيا في كتاب " الروح والنفس " ; قال : قال nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر : ذهبت الشيعة في أهل البيت ما ذهب إليه النصارى في المسيح ، وذلك أنهم زعموا أن الله تعالى نفخ في آدم من روح ذاته ، ثم انتقل ذلك الروح في الأنبياء من ولده ، حتى انتهى إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم من بعده إلى علي ، ثم إلى ولده ، فلذلك قالوا : إنهم بذلك الروح معصومون ، يعلمون المغيبات ، ويستغنون عن معلم في جميع الأحكام ، حتى أفضى الأمر ببعض الشيعة إلى أنهم اعتقدوا إلهية علي ، والأئمة من ولده .
هذا معنى كلامه ، وقد بعد عهدي به ، والله تعالى أعلم .