[ ص: 174 ] النافي : لو كان شرعا لنا لما صح : لكل جعلنا منكم شرعة و nindex.php?page=hadith&LINKID=1022373بعثت إلى الأحمر والأسود ، إذ يفيدان اختصاص ( كل ) بشريعة ، وللزمه وأمته تعلم كتبهم ، والبحث عنها ، والرجوع إليها عند تعذر النص في شرعه ، ولما توقف على الوحي في الظهار واللعان والمواريث ونحوها ، ولما غضب حين رأى بيد عمر قطعة من التوراة ، ولكان تبعا لغيره ، وهو غض من منصبه ومناقضة لقوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022374لو كان موسى حيا لاتبعني ، ولما صوب معاذا في انتقاله من الكتاب والسنة إلى الاجتهاد ، لا يقال : الكتاب تناول التوراة ؛ لأنا نقول : لم يعهد من معاذ اشتغال بها وإطلاق الكتاب في عرف الإسلام ينصرف إلى القرآن .
وأجيب عن الأولين : بأن اشتراك الشريعتين في بعض الأحكام لا ينفي اختصاص كل نبي بشريعة اعتبارا بالأكثر ، وعن الباقي بأنها حرفت فلم تنقل إليه موثوقا بها ، والكلام فيما صح عنده منها كما في القرآن من أحكامها ، وإذا تعبده الله بها فلا غض ولا تبعية .
أحدها : " لو كان " شرع من قبلنا " شرعا لنا ، لما صح " قوله - سبحانه وتعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا [ المائدة : 48 ] ، ولما صح قوله - عليه الصلاة والسلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022373بعثت إلى الأحمر والأسود ، " إذ يفيدان " [ ص: 175 ] يعني : الآية والحديث " اختصاص كل " من الرسل " بشريعة " ، لكن قد صح مضمون الآية والحديث ، فلا يكون شرع من قبلنا شرعا لنا .
الثاني : لو كان شرعا لنا ، للزم النبي - صلى الله عليه وسلم - " وأمته تعلم كتبهم " ، أي : كتب من قبلنا من أهل الكتاب ، " والبحث عنها ، والرجوع إليها عند تعذر النص في شرعه " على حادثة ما ، لكن ذلك لا يلزم بالإجماع ، فلا يكون شرعهم شرعا لنا .
الثالث : لو كان شرعهم شرعا لنا " لما توقف " النبي - صلى الله عليه وسلم - " في الظهار ، واللعان ، والمواريث ونحوها " من الأحكام " على الوحي " ، لكن ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه توقف في الأحكام على الوحي ، فدل على أن شرعهم ليس شرعا لنا ، وإلا لبادر باستخراج الحكم من كتبهم والسؤال عنه فيها لأنها من شرعه كالقرآن .
قوله : " لا يقال " ، إلى آخره . هذا اعتراض على هذا الدليل ، أي : فإن قيل : قول معاذ - رضي الله عنه - : أحكم بكتاب الله . عام في القرآن والتوراة وغيرها من كتب من قبلنا ، ولذلك صح تنزله في مراتب الأدلة ، واتجه تصويبه .
فالجواب أنا نقول : " لم يعهد من معاذ - رضي الله عنه - اشتغال " بالتوراة ونحوها حتى يحمل الكتاب في قوله : أحكم بكتاب الله ، على ما يتناولها مع القرآن ، وأيضا فإن " إطلاق الكتاب " وكتاب الله " في عرف الإسلام [ ص: 177 ] ينصرف إلى القرآن " ، فيحمل الكتاب في حديث معاذ - رضي الله عنه - عليه . وحينئذ يتوجه الإنكار عليه بتقدير أن شرع من قبلنا شرع لنا ، فلما لم ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم ، دل على أن شرع من قبلنا ليس هو بشرع لنا . فهذه ستة أوجه تدل على ما ذكرناه .
قوله : " وأجيب " ، أي : أجاب المثبتون عن الوجوه الستة بما ذكر .
فأجيب " عن الأولين " ; وهما : لو كان شرعهم شرعا لنا ، لما صح : لكل جعلنا منكم شرعة ، ولا قوله : nindex.php?page=hadith&LINKID=1022373بعثت إلى الأحمر والأسود " بأن اشتراك الشريعتين في بعض الأحكام لا ينفي اختصاص كل نبي بشريعة اعتبارا بالأكثر " ، وهو ما اختلفوا فيه ، أي : إن الشريعتين إذا اشتركتا في بعض الأحكام ، واختلفتا في بعضها ، صح أن يكون شرع إحدى الشريعتين شرعا لمن بعدها باعتبار البعض المتفق عليه ، وصح أن يكون لكل من النبيين شرعة ومنهاج باعتبار البعض المختلف فيه من غير تناف . وحينئذ قوله - سبحانه وتعالى : لكل جعلنا منكم شرعة لا ينفي كون شرع من قبلنا شرعا لنا في بعض الأحكام ، وهو المطلوب .
وأجيب " عن الباقي " ، أي : باقي الوجوه بأن كتب من قبله " حرفت ، فلم تنقل إليه موثوقا بها " ، فلذلك لم يطلب أحكام الوقائع العارضة له فيها ، ولذلك غضب من نظر عمر - رضي الله عنه - في قطعة من التوراة ، وصوب معاذا [ ص: 178 ] رضي الله عنه في انتقاله عن الكتاب والسنة إلى الاجتهاد ، ولم ينكر عليه ترك ذكر كتب من قبله ، وليس الكلام فيما حرف منها ، ولم يصح نقله ، إنما " الكلام فيما صح عنده منها كما في القرآن من أحكامها " ، فذلك الذي هو شرع له لا غيره .
قوله : " وإذا تعبده الله بها " ، إلى آخره .
هذا جواب عن الوجه الخامس ، وهو قوله : " لو كان شرعا لنا ، لكان " النبي - صلى الله عليه وسلم - " تبعا لغيره " ؛ لأن الجواب بتحريف الكتب السابقة لم ينتظمه .
وتقرير الجواب : أن الله تعالى إذا تعبد نبيه - صلى الله عليه وسلم - بشرع من قبله وبمقتضى كتبهم ، لم يكن في ذلك غض من منصبه ، ولا جعله تبعا لغيره ؛ لأنه في ذلك مطيع لله - عز وجل - ، لا لمن قبله من الرسل ، فهو كالملائكة لما أمروا بالسجود لآدم - عليه السلام ، لم يكن في ذلك غض عليهم ، ولا نقص ؛ لأن سجودهم في الحقيقة إنما كان طاعة لله - عز وجل ، لا لآدم عليه السلام . وبالجملة إذا كانت طاعة العبد لربه - سبحانه وتعالى - لم يضره ما كان هناك من الوسائط والأسباب .