[ ص: 194 ] الثالثة : المكره ، قيل : إن بلغ به الإكراه إلى حد الإلجاء ، فليس بمكلف .
وقال أصحابنا : هو مكلف مطلقا ، خلافا للمعتزلة .
لنا : عاقل قادر يفهم ، فكلف كغيره . وإذا أكره على الإسلام فأسلم ، أو الصلاة فصلى ، قيل : أدى ما كلف به . ثم إن قصد التقية كان عاصيا ، وإلا كان مطيعا .
قوله : " الثالثة " ، أي : المسألة الثالثة من مسائل شروط المكلف " المكره ، قيل : إن بلغ به الإكراه إلى حد الإلجاء ، فليس بمكلف ، وقال أصحابنا : هو مكلف مطلقا ، خلافا للمعتزلة " .
قلت : حصل من هذه الجملة من حيث النقل ثلاثة أقوال :
أحدها : أن يكون المكره مكلفا مطلقا .
الثاني : أنه غير مكلف مطلقا .
الثالث : إن بلغ به الإكراه إلى حد الإلجاء ، وهو أن لا يصح منه الترك ، كمن ألقي من شاهق على إنسان فقتله ، أو مال فأتلفه ، أو صائم ألقي مكتوفا في الماء فدخل الماء حلقه ونحوه لم يكلف ، وإلا كلف .
وهذا التفصيل حكاه ابن عقيل في " الواضح " عن بعض القدرية ، وقد بعد عهدي به ، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي .
والإلجاء إلى الشيء : الاضطرار إليه .
وإنما قلت : " المكره ، قيل : إن بلغ به " إلى آخره ، لأني أختار عدم تكليفه مطلقا ، كما ذكرت آخر المسألة ، وإنما حكيت في أولها ما علمته قيل فيها . [ ص: 195 ]
قوله : " لنا " هذا شروع في الاستدلال على لسان أصحابنا ، أي : لنا ، أن المكره " عاقل قادر يفهم ، فكلف ، كغيره " أي : كغير المكره ، وحاصله ، أنه قياس للمكره على المختار ، بجامع العقل والقدرة .
قوله : " وإذا أكره " إلى آخره . هذا دليل ثان ، وتقريره : أنه إذا أكره " على الإسلام فأسلم ، أو الصلاة فصلى ، قيل " يعني : في عرف الشرع وغيره : قد " أدى ما كلف به " فيسمى ما أداه مكرها تكليفا .
قوله : ثم إن قصد التقية إلى آخره . هذا بمثابة تحقيق الدليل ، ودفع الشبهة عنه ، ومعناه أنه بوقوع الاصطلاح على قولنا : أدى ما كلف به ، حصل لنا المقصود من كونه مكلفا .
أما كونه مطيعا في نفس الأمر أو غير مطيع ، فذاك أمر باطن فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى ، وليس كلامنا فيه ، وإنما كلامنا في الحكم بكونه مكلفا ظاهرا .
أما كونه مطيعا أو عاصيا ، فنقول : إن قصد التقية بفعل ما أكره عليه ، يعني أنه إنما أسلم أو صلى اتقاء للقتل ، لا انقيادا بالباطن لأمر الشرع ، كان عاصيا في الباطن ، وإن لم يفعل ذلك تقية ، بل إيمانا وانقيادا صحيحا خالصا ، كان مطيعا ظاهرا وباطنا .